لقد كان " طين " اقتراع 2013 للنيابيات والمجالس البلدية جد مبتل بفعل تعدد اللوائح والأوراق وكثرة الأسماء وشعارات الأحزاب، حيث يجد الناخب أمامه في قاعة التصويت كومة من هذه الأوراق مكونة من لائحة وطنية، وثانية جهوية، وثالثة للنساء، ورابعة للمجالس البلدية، وخامسة خاصة بدائرة نواكشوط بالنسبة للمصوتين في هذه الدائرة. وكل لائحة من هذه اللوائح تمتد لما يقارب نصف متر من الخانات
والأسماء والشعارات والألوان، مما يجعل الناخب يقع في ارتباك شديد، وينسى كل ما تم توضيحه له من قبل، ويصبح هدفه الوحيد هو الإشارة على ما استطاع الإشارة عليه من تلك الخانات، وترك ما اختلط عليه منها أبيض والخروج من تلك الورطة..!
ويتميز الاقتراع القادم في انتخابات سبتمبر بعاملين جديدين سيزيدان طين هذا الاقتراع بلة وتعقيدا هما زيادة اللوائح الخمسة المعهودة بلائحة سادسة للمجالس الجهوية، وزيادة عدد المترشحين بفعل مشاركة احزاب لم تشارك في انتخابات 2013، مما سيزيد الأوراق عددا واللوائح طولا وخانات وشعارات وأسماء، وبالتالي زيادة عملية الاقتراع إرباكا وتعقيدا ووقتا إضافيا سيتطلبه بقاء الناخب في مكتب التصويت للتعامل مع هذا الكم الكبير من الأوراق، مما سينعكس أيضا على سرعة حركة الطوابير أمام المكاتب، وينعكس في النهاية عل تدني نسبة المشاركة، إذ سيتطلب كل ناخب دقيقة إضافية على الأقل للتصويت على كل هذه اللوائح إذ افترضنا أصلا أنه سيستوعبها أو يصبر عليها.. وإذا أخذنا على سبيل المثال مكتبا يصوت فيه 600 ناخب فعلينا أن نضع في الحسبان ضياع 600 دقيقة إضافية وهو ما يعادل 10 ساعات من الوقت المخصص للإقتراع!
نتحدث هنا عن التعقيد والإرتباك الذي وقعنا نحن فيه بسبب كثرة اللوائح والأوراق والأسماء والشعارات والخانات خلال التصويت في انتخابات 2013، نحن وغيرنا من الذين هم على درجة من الدراية والفهم والاستيعاب، فما بالك بالأميين وغير المتعلمين، وسكان الريف والمناطق الأخرى غير المتعودين على مثل هذه الاقتراعات المعقدة، والذين يشكلون غالبية المصوتين، وكمُّ أصواتهم هو الذي يصنع الفارق ويرجح الكفات.. لكنهم لا يستوعبون بسهولة حتى عندما كانت عمليات الاقتراع أبسط أيام اعتماد البطاقات الأحادية المميزة بالألوان السهل تمييزها من طرف الناخبين قبل توحيد بطاقات التصويت في بطاقة واحدة تعج بالخانات والأسماء والشعارات ؟!
بسبب هذا التعقيد وكثرة الأوراق رأينا أيضا العديد من النواب المترشحين في الدوائر الجهوية خلال انتخابات 2013، وخاصة مترشحي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وهم يدربون ويوجهون ناخبيهم إلى طي بطاقات اللائحة الوطنية ولائحة النساء ولائحة المجلس البلدي وتركها جانبا وعدم التصويت عليها لكي لا تطيل عليهم أو تربكهم، ونفس الأسلوب اتبعه المترشحون لمناصب العمد وأمروا ناخبيهم بتجاهل اللائحة الوطنية واللوائح الجهوية للنواب ولائحة النساء والتركيز على التصويت على لوائح العمد تطبيقا لمبدإ نفسي نفسي..!
كما تميزت تلك الانتخابات أيضا بعدد قياسي من البطاقات اللاغية زاد على ربع المليون وما ذلك إلا لكثرة تلك اللوائح والأوراق والاحتمال كبير، في ظل تعقد هذا الاقتراع أكثر بكثير من سابقه، أن يزيد عدد البطاقات اللاغية ضعفين ليصبح أكثر من نصف الأصوات المعبر عنها لاغيا..
فإما أن يتم إجراء هذا الاقتراع على مرحلتين في يومين متتاليين أولهما مخصص للنيابيات بلوائحها الكثيرة والطويلة، وثانيهما للمجالس البلدية والجهوية للتخفيف على الناخبين، أو التمديد للبرلمان والمجالس البلدية والاقتصار على انتخاب المجالس الجهوية، أو تأجيل انتخاب المجالس الجهوية إلى وقت لاحق، وإلا فلا أحد يمكنه أن يتصور كيف سيجري هذا الاقتراع، وإن كان الخيار الأفضل هو الخيار الأول بإجراء الاقتراع على مرحلتين متزامنتين لأنه سيمكن من الانتهاء من العملية برمتها في يومين وبحملة ووسائل ومستلزمات انتخابية واحدة.