يَعُودُ تاريخُ إطلاقِ لَقب بَلدِ المِليُون شاعِر على موريتانيا للمَرةِ الأُولى، إلى تَحقيقٍ صَحَفي أعدَته مَجلة "العربي" الكُويتيَة، شَهر إبريل سنة 1967 و مُنذُ ذلك الحين صارت التسمية لصيقة بالمُوريتاني و المُوريتانية، حيث ما حَلا و ارتحَلاَ، حتى و إن كانا لا يُميزَان بَحرَ الطَويل من الخَفيف، و أضحى اللقب استعارة تُمنح لكل إقبال غير مسبوق على حَدثٍ مُعين بهدف وصفه بالاستثنائي.
و يُشكل إعلان عدد معتبر من السياسيين، وغير المُتحزبين الترشح للانتخابات المرتقبة،فرصة لوسم البلد بمليون المُترشح، حيث تَعتري الجَميعَ رغبةٌٌ في خوض غمار التنافس الانتخابي، في مشهد يَضعنا أمام تخيل لعملية انتخاب للبرلمان في جمهورية الصين الشعبية، ذاتِ الكثافة السكانية العالية و يَعكسُ أن اللائحةَ الانتخابيةَ تضم مِليارات المُصوتين في حَينَ أنها وصلت في آخرِ تَحديث لَها قُبيلَ استفتاء الخامس من أغشت 2017 إلى مليونٍ و ثلاث مائة و تسعة و ثمانين ألفا و اثنين و تسعين مسجلا (1389092) في عموم التراب الموريتاني وفي الجاليات الموريتانية بالخارج، فيما يبلغ تعداد سكان موريتانيا ما يناهز 3.4 ملايين نسمة حسب نتائج إحصاء عام للسكان والمساكن أعدته الحكومة سنة 2013 و هو الرابع من نوعه منذ استقلال البلاد عام 1960.
و انطلاقا من المعلومات السابقة فإن وصف موريتانيا ببلد المليون مترشح أمر له ما يُعززه خاصة في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، الصانعةِ للنجوم المُستَمِدَةِ لخزانها الانتخابي و قواعدِها الشعبية من أيقونات الإعجاب، و حجم التضامن معها افتراضيا لدى المحن، مما يَدفعُ إلى التساؤل عن من بَقي لينتخبَ المُترشحين ؟ و لماذا هذا التسابق المَحمومُ إلى الترشح، إذا كان المتقدمُ إلى الاستحقاقات يَنتوي خدمة الشعب، و توصيلَ رسائله، و التحدثَ باسمه، إن لم يَكن الدافعُ مادي بَحْتٌ أو شُهرةٌ تكسبُه مَنافعَ مَعنوية، أو تقليدي تَكتمل به شَخصيةُ المترشح إن هو ساير فيه آخرين قد تَكون لهم مُؤهلات سياسية و أحزابٌ حقيقيةٌ تقف خلفهم.
إن الطفرة النوعية في حجم التَرشح لن تكون مُدهشة بالنسبة لنا إن علمنا أن وزارة الداخلية قد أحصت منذ أيام مائة و خمسة أحزاب سياسية، و أحالت قائمتها إلى اللجنة المستقلة للانتخابات، مما يترجم بوضوح أن المُشرع قد منح المليون مُترشح مائةً و خمسةَ أبواب لدخول جَنةِ الانتخابات و هي فُرصة ثَمينة لن يُفوتَها رُؤساءُ الأحزابِ المُهددة بِخطر الحل إذا لم تَحصل على نِسبة واحد بالمائة من مَجموعة الأصواتِ المُعَبَرِ عنها خلال الاستحقاقات بِموجِبِ القانون المُنظِم لعمل الأحزاب السياسية في البلاد.
و تَضعُ إشكاليةُ مليونية إعلان الترشح و مئوية الأحزاب السياسية الممنوحة الترخيص لياقة بعض الأحزاب السياسية التي ظلت بعيدة عن النزول إلى الميدان السياسي على المحك خاصة و أن مبادرة تغيير واجهة ممثلي الشعب جاءت من الأفراد هذه المرة قبل الأحزاب و لو كان باب الترشحات المستقلة لم يوصد لكانت الأحزاب هذه الأيام تعلن عن اكتتاب مُترشحين للانتخابات عن طريقها حتى تحفظ ماء وجهها، أما على صعيد الصراع بين الأحزاب الموالية لتمثيل النظام في الانتخابات و سعي المعارضة إلى الظهور بحضور مشرف أمام قواعدها الشعبية فتلك مسألة قد تجعل من الانتخابات الأكثر تنافسا منذ سنوات مضت.
إن السؤال الجوهري المطروح الآن هو لماذا تنتشر حمى الإعلان عن الترشح في بلد كبير المساحة، قليل الكثافة السكانية في وقت أثبتت فيه التجارب أن حسم الكعكة السياسية في البلاد مرتبط بتوازنات قبلية و جهوية و سياسية و مالية تغذيها صورة نمطية راسخة لدى فئات هشة من المجتمع بأن الحزب المحسوب على السلطة يمتلك نصيبَ الأسد و ما بَقي موزع ما بَين الأحزابِ المُعارضة حَسبَ قُدرتها على كَسبِ نقاط ضَعف الخصم و ثغرات عدم إقناعه الزعامات التقليدية و تقصير نفوذ المال السياسي.