للإصلاح كلمة: تطلب فيها من إذاعة القرآن البحث عن تنوع رسالة القرآن / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح اختارت هذه المرة أن تتوجه إلى سعي الآخرة قبل أن لا تستطيع السعي إليها وذلك بعد جولات كلمة الإصلاح مع أهل الدنيا وهم يريدون حرثها ليجعلوا للآخرة نصيبا من هذا الحرث وهم في حياتهم قبل أن يقدموا على الحصاد.
فإذاعة القرآن لاشك أنها توفيق من عطاءات الله التي لا تحتاج للأسباب خارج فضل الله الذي يختص به من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

وهذا الفضل لا شك أنه حصل لكل من أمر بها و أفسح لها تحت مسؤوليته مجالا و إلى كل من هداه الله إلى انتهاز تلك الفرصة وتوسع فيها وفهم أنها ذخيرة عطاء أخروية فأغتنم تلك الفرصة لتكون هي و ما صدر عنها من توجيهات كلها تصب في سعي الآخرة ليكون الجميع ذخرا له في الآخرة وفي نفس الوقت يكون تنمية مستدامة تعم  كل الأمر بالحسنة ومن جاء بها و ما نتج عنها والله من وراء القصد وهو لا يضيع أجر من أحسن عملا .
و من هنا فإن علينا نحن المسلمين جميعا الذين نظن أننا ملاقو الله أن نبحث عن رسالة القرآن كما هي ، فمن المعروف أن القرآن يحمل رسالة واحدة وهي اخراج الإنسانية من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.
وهذا الإخراج لا يكون إلا بإسقاط القرآن كما أنزل على قلب هذه الإنسانية بألفاظه و بالنبرة التي أنزله الله بها فإذا كانت أية الوعد بالمغفرة و تكفير الذنوب :على القارئ أن يقرأها بصوت رخيم رحيم و بلطف سوف تكون حروف الاية مساعدة على ذلك.
و إذا كانت أية عذاب أو وعيد أو تخويف فعلى القارئ أن ينزله كالصاعقة على المستمع يقول تعالى {إن شجرة الزقوم طعام لأثيم كالمهل تغلي في البطون كغلي الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم }
وهذا يتطلب مايلي :
أولا: مراجعة جميع برامج الإذاعة مع أن الشائع عند الموريتانيين أن برنامجها لم تستقر منهجيته ولاسيما تفكيرا أو اهتماما وترقية على حال ،فبدأ أولا بالصعود و التوسع و البحث عن كل ما تتطلبه أهميته عند المسلمين و ما أكثر مواضعه و ما تفرع عنها ولكن بعد التغيير الأول بدأ العد التنازلي لإنهاء المكتسبات الاسلامية ليعود  هو إلى أفكار أهل الدنيا فبدلا من أن كان نافذة مفتوحة على الآخرة توجهت بوصلته تبحث عن نوافذ أهل الدنيا لتسجل في أسفل لائحتهم من ما أدى إلى أن هجرها جل قادة هدفها المنشود .
ومع أني نقلت ما كتب و ما قرأت فأنا مستمع لبرامجها فقط بدون أي رؤية لمقرها ولكني و لله الحمد بما أن موضوعها و أسمها هو إذاعة القرآن في بلد مسلم كموريتانيا فإني أريد المساهمة في البحث عن القصد الذي لا شك أنه تحرك في قلب الامر بها وكذلك قلب من كلف ذلك الأمر
أولا : أن تكون هذه الإذاعة حصادها يختص باختصاصها و محجوزا للآخرة معول عليه فيها وإذا لم يتحقق ذلك بأدواته فيكون في ذلك خيانة لتبليغ رسالة هذا الدين عن طريق فتح هذه النافذة المكتوب على لوحتها -إذاعة القرآن الكريم- و خيانة للآمر الاول: فالله جل جلاله يقول لنبيه صل الله عليه و سلم {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته}.
وهذه الإذاعة توفيق من الله لمن مكن له في الأرض أن يفتح فوق أرض الله لعباد الله رسالة تذكرهم بأيام الله و نعمه التي أسبغها عليهم بحفظه لهذا القرآن يتلى عليهم آناء اليل و أطراف النهار.
ومن هنا يبدأ حسن هذا التبليغ الذي على المشرفين عليه أن يدرسوا نوعه و الهدف منه و المجتمع المستهدف به .
فالملاحظ من برامج هذه الإذاعة أن المشرفين عليها جعلوها محظرة تدرس فيها مواد بالسماع و المعروف أن مواد المحظرة لابد لها من الشرح و التكرار المستمر وهي تعني التعلم بعد دخول الإيمان في القلب.
فمنهج المحاظر يوجد من أهداف القرآن ما هو أولى منه بالتقديم فإذاعة القرآن لاشك أنها تقدم ختمات من القرآن يقوم بها قراء فيهم من هو حسن الصوت و النغمات وفيهم من هو دون ذلك و لكن تقديمهم للقرآن للسامع لا يشبه قارئ الرسالة المتنوعة أهدافها و مطلوب أن يتفاعل  مع ذلك التنويع للإبلاغ.
فالنبي صل الله عليه وسلم عندما جاءه الوليد بن المغيرة يريد أن يرده عن الدعوة طلب منه أن ينتظر ليسمعه أيات من القرآن فأختار له النبي صل الله عليه وسلم  أيات تهز المشاعر من أعماقها و تجبر لإنسان على أن يسمع بقلبه فقرأ عليه أيات من أول سورة فصلت حتى وصل إلى قوله تعالى {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين }إلى قوله {فأنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} حتى كاد أن يطير قلبه عن جسمه فقام الوليد يناشد النبي صل الله عليه و سلم بالرحم ليسكت عن القرآن خوفا على انشقاق قلبه.
فكذلك على قراء إذاعة القرآن أن لايقرأ القرآن لأجل ختمتها فقط فمن حق برنامج القراءة أن تستخرج مواضع من القرآن كل موضوع على حدة.
فتسجل آيات العقيدة وتحذير القرآن فيها من الشرك و إظهار مصير أهل الشرك هم و شركاؤهم و ما يوصف به أهل الشرك أكبر كان أو أصغر مثل قوله تعالى {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لايستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون} {و إذا حشر الناس كانو لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} وتجمع كل هذه الآيات في القرآن و يكون القاءها على المستمعين تباعا في حصة واحدة مع أداء القارئ لرسالة القرآن (وهي تبليغه كما أنزل) ويتكرر هذا.
وكذلك جميع الإستفهامات الواردة في القرآن التي ترك القرآن جوابها لبداهته كقوله تعالى {أفمن يلقى في النار خير أم من ياتي آمنا يوم القيامة}؟{أفمن يمشي منكبا على وجهه أهدي أمن يمشي سويا على صراط مستقيم} و يكون ذلك حصة أخرى وكذلك أوصاف النعيم في الجنة و أوصاف التعذيب في الجحيم فتجمع كل الآيات التي وردت في ذلك و يقوم القارئ بمقابلة هذه بهذه بصوت القرآن المؤثر مثل قوله تعالى {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن و أنهار من لبن لم يتغير طعمه و أنهار من خمر لذة للشاربين} إلى أخر الأية و مقابلها بعدها {كمن هو خالد في النار وسقوا ماء  حميما فقطع أمعاءهم }.
وكما هو معلوم فتصور موائد الجنة كثير كما أن تصور مواقع العذاب كثيرة أيضا في القرآن فيمكن أن يسجل ذلك برنامجا إسبوعيا .
ومن المعلوم أن القرآن و أوامره ونواهيه وجميع موضوعاته لا تمل نفس المؤمن سماعها  فيجب كثرة الحديث بها و عنها ، بمعنى أن مواضع الدعوة و الإقناع وذكر المصير المحتوم الواقع بعد إنتهاء الأجل مباشرة كل ذلك على القارئ أن يملأ قلوب أذان المسلمين من سماعه.
فالقرآن ذكر هو نفسه أن وصوله للقلب لا يشبه وصول كل كلام أخر إليه بل الإسلام يعطي وصفا للمؤمن حقا يقول القرآن {إنما المومنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} ،ولكن كل هذا لا يقع من قراءة أي قارئ ولكنه يقع من القارئ الذي يقرأ القرآن بقلبه وبنبرة  يؤدي بها رسالة الإسلام إلى البشر التي تقتضي نشر الرحمة لمن يستحقها و إسقاط العذاب فوق رأس من يستحقه ، فقد ورد أن النبي صل الله عليه وسلم كان حين يقرأ القرآن إذا مر بآية رحمة شكر الله وطلبه رحمته و إذا مر بآية عذاب تعوذ منها و سأل ربه السلامة ، وهذا يتطلب أن  يكون الصوت خارجا من القلب ليدخل في القلب بنية التبليغ لا بنية التغني أو إخراج الصوت على شكل يعجب السامع فقط و بناء على هذا المفهوم فإن المشرفين على إذاعة القرآن عليهم أن يحاولوا تأدية رسالة القرآن كما يريدها القرأن.
وعليه فإنه يجب مراجعة جميع البرامج المتعلقة بالقرآن و ليفصلوا نهائيا بين برامج إذاعة القرآن و بين برامج المحظرة فمواد المحظرة التي تأخذ كثيرا من الوقت تترك للمحظرة.
فالمعروف أن مواد التوحيد و الفقه والأصول لابد لها من كثير من التكرار ومباشرة المشايخ فلا تكفي فيها قراءة ساعة على السامع بل يوضع في تلك الساعة ما يمكن أن يستفيد منه المسلم السامع الأمي و المثقف بمجرد سماعه.
فمثلا فماذا يفهم الأمي أو المثقف غير المحظري في الأصول إذا سمع قول أبن عاشر :الحكم في الشرع خطاب ربنا*المقتضي فعل المكلف افطنا إلى أخر الأبيات و قوله في التوحيد : لوحدثت لنفسها الاكوان* لأجتمع التساوي و الرجحان و أقول خليل في فقه  السهو : و إن جهل عين منسية مطلقا صلى خمسا و إن علمها دون يومها صلاها ناويا له الخ..
وهذا مثال فقط لجميع الدروس التي تحتاج للتصور قبل التصديق فتلك مكانها المحاظر نفسها لا إذاعة القرآن.
وملخص هذا المقال أن إذاعة القرآن منة من الله أعطاها لهذه الأمة في هذا الزمان: إذن على المشرفين عليها أن ينتهزوا فرصة التبليغ عن الله لهذا القرآن نيابة عن النبي صل الله عليه وسلم كما أمرهم بذلك وأن يجسدو ذلك في حسن التخطيط في الأداء باختيار وقته و أداء المؤدي .
فمثلا في اختيار الوقت هو اختيار الوقت الفارغ بالنسبة للإنسان من واجبات العمل الدنيوي مثل مابين المغرب و العشاء وتكون فيه التلاوة مؤثرة على السامع حتى يرى المستمع  ممثلا لبعض المومنين في قوله تعالى {و إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق}

12. يوليو 2018 - 15:27

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا