من المفارقات الشائعة في بلادنا تظاهر الحكومات المتعاقبة بالتركير على الشباب كقوة صاعدة تمتلك إرادات قاطعة وإمكانات وفيرة، لكن دون وجود صدى واضح المعالم على أرض الواقع يبرهن على جدية هذا الطرح أو الشعار بعبارة أحسن، وإن كانت هناك جهود ضئيلة أفضت إلى تكوين مجلس أعلا للشباب والذي بقى أبعد ما يكون عن خدمة الشباب، وتأسيس حزب سياسي له استأثر به غيرهم،
إلا أن كل ذلك بقي قليلا في حق الشباب الموريتاني الذي يعمل باندفاعة منقطعة النظير منذ الإستقلال لخدمة المشاريع السياسية التي يحصد غلتها الكبار دون إشراك للشباب، فيبقى قيد التهميش والإقصاء، وأعتقد أن المشكلة التي جعلت الشباب الموريتاني يظل بعيدا عن مراكز القرار تعود إلى عدة أمور لن تقوم له قائمة ما لم يتحرر منها وينعتق بصورة كلية، ومن تلك الأمور: تغلغل الشباب في أروقة القبيلة وترديده الببغاوي لأطروحاتها والخضوع الكلي لمنطقها الذي لا يأذن لغير الشيب بالولوج إلى مراكز القرار، والتي لا تراعي في الغالب الكفاءة بل تلقي بها عرض الحائط لصالح المجاملة والإعتبارات التقليدية التي لم يعد لها وزن في عالمنا اليوم، والأمر الثاني هو رضى الشباب بالقليل وتبعيته العمياء التي تتجلى من خلال كونه يجعل من نفسه وقودا لكل مشروع سياسي ، لكنه يصير في النهاية كالشمعة التي تضيء للناس وتحرق نفسها للاسف، والأمر الآخر هو نزع الثقة الضمني من الشباب بحيث لاتوكل إلى أحدهم أيةمهمة تسترعي اهتمام بالغ، ما جعله لايطلب غير الفتات المتبقى على مأدبة صناعة القرار، والأمر الآخر يتعلق بالبطالة التي تلتهم طموحات الشباب وتسحق آمالهم. تلك هي الأمور التي تحد من فاعية الشباب وتقع حجر عثر أمامه، ولكن بوسع الشباب تقويض تلك الحواجر بإعادة الثقة في نفسه وإحداث قطيعة مع الماضي بإنشاء تحالفات شبابية تسعى بروح جديدة وجدية إلى المشاركة في صنع القرار من خلال ترشيحهم على رؤوس اللوائح الانتخابية في كل الدوائر الانتخابية والمشاركة بفعالية في كل الأنشطة ذات الطابع التنموي في البلد مشاركة جدية و ليست المشاركة التي تبقى على حدود التأييد والمساندة بل التي تكسر الحواجز الرجعيةالتي تستأسر للماضي على كل الأصعدة وتأخذ زمام المبادرة والتصدر في كل ما يخدم المصلحة العامة ، ولا أرى أن ما نشاهده اليوم وخصوصا في هذه الأيام المقبلين من خلالها على انتخابات، من صعود للشباب وحضوره بشكل لا تخطئه العين على اللوائح الإنتخابية كعمد ونواب إلا دليلا واضحا على استشعار الشباب بالتقصير والتوان عن خدمة مشاريعه السياسية والإجتماعية في الماضي، وقد آن الأوان لتدشين رؤية جديدة تقطع مع الماضي وأعبائه وأن يعوض الشباب لنفسه ما كان عاجزا عن تحقيقه أو غافلا عن تحقيقه على الأصح .