بعد عقد كامل من بناء وإعادة تأسيس الجمهورية وفق برنامج التغيير البناء الذي فرضه الرئيس محمد ولد عبد العزيز منذ وصوله السلطة, حيث شيدت الطرق الوعرة والمطار الدولي وقصر المؤتمرات والجامعات, وتم إنشاء وتجهيز المستشفيات, واستحدثت مدارس الامتياز والمعاهد المتخصصة, وأطلقت البرامج التنموية ووزعت القطع الأرضية في أحياء جديدة تم تزويدها بخدمات الماء والكهرباء والصحة,
والتعليم, وأعيد الاعتبار إلى المقاومة, وتحققت النجاحات المتلاحقة في المجال الدبلوماسي برئاسة القمتين العربية والإفريقية بعد تنظيمهما لأول مرة في موريتانيا التي ترأست جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي بعد جمود دبلوماسيتها لعقود متتالية...
بعد كل ذلك, يبدو أن المعارضة التي لم تعجبها الانتصارات الداخلية والخارجية لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز, استطاعت أخيرا أن تجد في الدائرة المحيطة بالرئيس في الحزب الحاكم والحكومة من يمد لها يد العون لهدم المكتسبات والعودة إلى ممارسات الفساد التي أصبحت اليوم جزءا من ماضي البلد بعد إعلان الحرب عليه منذ فجر استلام ولد عبد العزيز مقاليد الحكم.
لم يعد خافيا على المراقبين ما باتت تقدمه الحكومة وقيادة الحزب الحاكم واللجنة المكلفة بإصلاحه من خدمات للمعارضة في هذا الظرف الحساس السابق لانتخابات برلمانية وبلدية وجهوية مفصلية في تاريخ البلد, نظرا لاحتدام الصراع بين ماضي فساد تناسى أطرافه كافة خلافاتهم فقدموا اللوائح المشتركة التي تحمل في طياتها بذور الفرقة, وبين حاضر إصلاح ومستقبل رخاء يسعى إلى الحفاظ على المكتسبات لولا المكابح الداخلية التي لم تعد تخفي انحيازها الواضح الفاضح لمعسكر الفساد الذي سيمكنها, في حالة فوزه, من العودة إلى عادتها القديمة.
لقد استقالت الحكومة من مهامها المفترض القيام بها, كتقديم الخدمات للمواطنين والسعي لحل مشكلاتهم, وهو ما جعل المواطن يتوجه إلى بوابة القصر الرئاسي في كل صغيرة وكبيرة, وعيا منه بأن الحكومة لا تسعى إلى التجاوب معه بقدر ما تعمل على دفعه باتجاه تعزيز القاعدة الشعبية لمعارضة النظام, وهو ما تجلى في تدخل الرئيس شخصيا لحل الكثير من المعضلات التي كان آخرها إضراب الأطباء.
وكدليل على ضعف الأداء الحكومي, فضحت زيارة الرئيس محمد ولد عبد العزيز, أمس الثلاثاء, لمدينة بوكي, أداء بعض القطاعات الحكومية, حيث نظم نشطاء وقفات احتجاجية مطالبة بتوفير خدمات ضرورية كان من المفروض حلها من قبل الجهات المعنية دون أن يضطر المتضررون من غيابها إلى مطالبة رأس هرم السلطة بتوفيرها.
وبذات الرؤية والتآمر سعى الحزب الحاكم واللجنة المشرفة على إصلاحه إلى إضعاف فرص الداعمين لبرنامج رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز في الحصول على أغلبية مريحة, وذلك من خلال نوعية الترشيحات في الانتخابات المقبلة, لتكتمل الطبخة السرية لمؤامرة يبدو أنها باتت تحاك في الخفاء ضد الرئيس في الأشهر الأخيرة من مأموريته الثانية.