من أصوات البنادق والرصاص والكتابة على الألواح الخشبية والقراءة على ضوء نار الحطب والتكوين فى المدارس الحديثة ,من رَحِمِ التلاقى بين هذا الثلاثي الذي شكل نواة أساسية للدولة الحديثة برز وعي وطني جسد فيما بعد سياسة بناء الدولة الوطنية التى ظل ميلادها منذ دخول المستعمر حلما يراود الكثيرين لكنها ماإن رأت بزوغ فجر الحرية ونور الإستقلال حتى بدت تحس وأن الميلاد
لم يكن يسيرا وأن الحياة والإستمرارية هى الأخرى محفوفة بأطماع الجوار وضعف المؤسسات حديثة النشأة.
بعد مــــــُضِيِ ربيعها الأول خَفَّت تلك الأطماع وأشتد إلى حد ما عظم الدبلوماسية الوليدة وبدأت الدولة ككيان تحاول جاهدة أن تجد لها موطأ قدم بين أخوات رفضن أُُخـــُـوتها بالأمس ,إلا واحدة من تلك الأخوات اعترفت بالشقيقة الحديثة أمابقية الأخوات فلم يعترفن بصلة الدم والقربى إلا بعد حين بعدما تأكد لديهن أن الأخت الجديدة أصبحت مولودا واقعا فرض نفسه على المعادلة الدولية بخطى ثابتة تحكمها رؤية ثاقبة لاتريد التصعيد ضد هذا ولاذاك وبموارد آنذاك شحيحة إذا ماقورنت بإمكانات الدولة .
ولدت موريتانيا على صحراء مترامية الأطراف وحفرت إسمها فى الأمم المتحدة فى سنتها الأولى إلا أنها ورغم بعض النجاحات والإخفاقات لازالت تعانى ويلات الإنقلابات التى انهكت بُنيتها وأخرت تنميتها وأرهقت كاهلهاوإن كانت بفلسفة عسكرياسية خلعت ثوب العسكرية ولبست ثوب المدنية فى شكل مدني وجوهر عسكري ,فلقد ظل المشهد السياسي ضبابيا والمواقف والآراء تجاهه ومنه هى الأخرى متباينة فبعض المدنيين يرتدي ثوب المدنيين ويفكر تفكير العسكر وبعض العسكر بلباس مدني هو الآخر وفكر يمزج بين الفكر المدني والعسكري ويلعب اللعبة كيفما سنحت الفرصة ولو اقتضى ذلك تطويع الواقع حتى ولو لم يكن يتماشى والمصالح العامة.
بعد مرور عقود على الاستقلال ووقوف البلاد على ضفة نهر الديمقراطية خلال التسعينيات فإننا إلى حد اللحظة لم ننجح في بناء مؤسسات حزبية تبرهن على القطيعة مع الجهة والقبيلة وتستميل الجمهور ببرامجها الانتخابية الهادفة بعيدا عن عاطفة القرابة والجهة وكسر انياب اللاوعي السياسي وجز شعر رأس الفساد وليِّ عنق التشكيك في نزاهة الاقتراع وثَنْيِ السلطات عن استغلال المناصب الوظيفية في الضغط على الناخبين وتبذير المال العام.
إن الخروج من دائرة التفكير التقليدي للمساهمة في بناء دولة القانون والشرع ومسايرة التحولات العالمية البَنَّاءة تقتضي أن يكون هناك إجماع وطني بين المعارضة والموالاة مبنيٌ على الثقة وعدم التشكيك في نِياَتِ الآخرين وتجريم استغلال النفوذ القبلي والوظيفي والسياسي وإشراك المجتمع المدني المُستقِل والاستماع لمختلف الفاعلين السياسيين من مُختلف الطيف السياسي دون إقصاء ،هذا فضلا عن التفكير في آلية جديدة للحد من التشريعات الحزبية الشخصية الكرتونية، لأننا نعيش أزمة أحزاب فنخن شعب لم يبلغ بعد اربعة ملايين نسمة وعدد أحزابه يقارب مائة حزب سياسي مايجعل القواعد الشعبية الحزبية تكاد تكون تُعد على رؤوس الأصابع.