مهمة خاصة جدا: جاسوس الملائكة / محمد نعمه عمر

altفي موروث حكاياتنا الشعبية أن أحدهم توفي، وكان يملك مالا وجاها، فقرر أبناؤه التجسس واستراق السمع على الملائكة لمعرفة ما سيسأل عنه، وهل هو من أهل الجنة أو النار. بعد بحث مضن وقع الاختيار على رجل شريف يعتاش من عرق جبينه، ولا يملك من وسائل الكد سوى محراث صغير (أواجيل).. تم الاتفاق مع الرجل مقابل أجر سيدفع لاحقا، على أن يدفن مع "المرحوم"، لتدوين ما سيحدث أولا بأول.

حضر المشيعون إلى المقبرة وقاموا بحفر جيب داخل القبر يتسع للتجسس على رسل السماء.. انتهت العملية ووضع الحصى على الميت، وبعض من حشيش "أم ركبة" على قبر الجاسوس.

لحظات بعد مغادرة المشيعين حضر الملكان لاستنطاق الميت عن عمله خيره وشره، لكن أحدهما خاطب الآخر قائلا: "القبر يحوي رجلين أحدهما من أهل الدنيا والثاني من أهل الآخرة"، رد الملك على رفيقه: "فلنبدأ إذن بصاحب الدنيا"..

يا لها من مصيبة!.. (قالها الرجل هامسا يخاطب نفسه).

كان الوقت مساء:

س: ما هي أملاكك؟

ج: لا أملك إلا محراثا (أواجيل).

أحد الملكين: "المحراث يتكون من خشبة وقطعة حديد، سنبدأ بالخشبة"..

س: هل الشجرة التي قطعت منها الخشبة كانت في أرض طاهرة، أم في قفر بوار، أم في مرابع مغتصبة.. هل سفك تحتها دم، هل ارتكبت تحتها معصية.... إلخ.

وقبل أن ينهي الجاسوس ردوده حول جزئية الخشبة ومتعلقاتها، رفع أذان الفجر، فقرر الملكان وقف السؤال على أن يعودا لاحقا لإكمال المهمة التي من ضمنها (طبعا) معرفة مصدر قطعة الحديد في مقدمة الخشبة، والحداد الذي صنعها.

وما إن غادرا.. حتى رفع صاحبنا ما عليه من حشيش وأطلق ساقيه للريح، وهو يصيح، "يا رجال الغيث، يا رجال الغيث".

على مشارف القرية استقبل من قبل أبناء الرجل الميت الذين كانوا في انتظاره، صرخ في وجوههم، (يخلي خيمت اعدوه، والدكم أراه أوحل إف راصو، فمنذ أن غادرتم المقبرة وأنا أسأل، عن خشبة "أواجيل" فقط، ولم أسأل بعد عن قطعة الحديد، فما باله وقد ملك من الدنيا ما تعلمون.

تذكرت هذه القصة وأنا أتأمل مقولة الفاروق عمر بن الخطاب "والله لو أن شاة في العراق عثرت في الطريق؛ لخشيت أن يحاسبني الله عليها"، فلم لا يفكر حكامنا بأن هناك حسابا وعقابا، وأنهم سيسألون عن كل طفل يبيت ليلته من دون عشاء، فما بالك بآلاف المحرومين، المنكل بهم والمظلومين.. ألم يسمعوا أن أشد الناس عذابا يوم القيامة من أشركه الله في سلطانه فجار في حكمه.

أملي أن يفهم من عنيت، ولا أظن؛ قد قيل للبغل يوما: "من أبوك؟"؛ فقال: "الفرس خالي"

30. نوفمبر 1999 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا