تدليس الشنقيطي في حديث الثورة / محمد محمود ولد سيدي يحي

altلم يكن حديث العمق في قناة الجزيرة هذه المرة أحسن الحديث ولا أعمقه، فزوابع الصيف القائظ أسقطت أوراق الربيع، بعد أن كشف التدخل الأجنبي عن وجهه القبيح في التلاعب بدماء شعوب المنطقة، وسقطت ورقة التوت عن "القوى الثورية" وهي تتكالب على غنائم السلطة فوق جثث شعوب أثخنتها الجراح.

كان مفكرنا الشنقيطي -وهو أحد ضيفي الحلقة- حزبيا وتبريريا وهو يبحث عن مسارات ضلت طريقها، يريد أن ينفخ الروح في جسد ثورة اكتفت باستبدال أحزاب بأحزاب ورضيت من الغنيمة بالإياب.
تحت إلحاح مضيفه رسم الشنقيطي صورة زائفة لثورة موريتانية بدأت "بداية قوية" ويراد لها أن تنتهي بنصف انقلاب، ناسيا أن ما يحسبه الشنقيطي ماء هو محض سراب.
دلّس الشنقيطي في حديثه عن الحالة الموريتانية، ولم يعط صورة واقعية لما يجري في المنكب البرزخي لحاجة في نفس يعقوب، وقرأ الأوضاع السياسية بالمقلوب.
كان على الشنقيطي أن يوضح لمضيفه أن الحالة الموريتانية تتميز بخصوصية تختلف عن مصر وتونس، تماما كما دافع عن خصوصية منطقة الخليج، وأن يبين له أن "الأحزاب الثائرة" في موريتانيا تريد زعزعة نظام شهدت على انتخابه، وتسعى إلى إسقاط رئيس لم يمض على مأموريته ثلاث سنوات، وتقوم بنشاطاتها بكل حرية وفي جو ديمقراطي تعددي.
كان بإمكان الشنقيطي أن يقول لمضيفه إن ما يجري في موريتانيا ثورة مصطنعة تقودها أحزاب أقلية سياسية يئست من صندوق الاقتراع، وقد فشلت في جر الشارع إلى خطابها التهويلي، فجاءت ثورتها خالية من أي عفوية، ولم تكن بأي معيار من المعايير قوية.
كان بوسع مفكرنا الشاب أن يبدو مستقلا وهو يتحدث عن إصلاحات موريتانية، كما ثمن الإصلاحات المغربية، ويشرح لمضيفه كيف نجح حوار النظام مع بعض أحزاب المعارضة في إنشاء لجنة مستقلة تشرف على عملية الانتخاب من ألفها إلى يائها، وكيف يتوفر البلد على لائحة انتخابية بيومترية لا تقبل التزوير، وكيف فتح الحوار الأخير فرصا أكبر لمشاركة المعارضة في البرلمان الذي أصبح أكثر من نصف أعضائه ينتخبون بالنسبية..
كرر الشنقيطي ما تمناه في مقاله حول "مسارات النهاية" وهو التعويل على انقلاب عسكري ليوصل الأحزاب التي طال شوقها إلى السلطة بالقوة، ونسي مفكرنا الفاضل أن هذه الأحزاب خسرت القوى الحية في الجيش الموريتاني خسارة لا رجعة فيها، لأنها رفضت مشاركة الجيش احتفاله بخمسينيته، وشكك إعلامها في قدراته مقابل تضخيم مغرض لقدرات القاعدة والإرهابيين، واتهمه بحرب بالوكالة، ولم يأل جهدا في تشويه خيرة ضباطه.
يعوّل الشنقيطي على جند العجائز والمتقاعدين وفلول الانقلابات الفاشلة في تهديد استقرار بلد طلّق الانقلابات إلى الأبد وحرّمها بنص الدستور، وشاهد الوبال الذي تجلبه على حياة شعوب المنطقة ودول الجوار.
ختم الشنقيطي كلامه بالحديث عن نهاية صعبة لرواية الربيع والثورة، وتناسى مثقفنا الكبير أن حبكة الرواية الثورية مفقودة، وأن التاريخ السياسي ليس رواية شرقية تنتهي بانتصار هذا الحزب أو تلك الحركة السياسية، فالنهايات دائما مفتوحة، وشرط النهايات كما يقال هو تصحيح البدايات.
ولا تختلف "قصة العبودية في كتب المالكية" التي كتبها الشنقيطي مؤخرا عن نظرته التقليدية للرواية الثورية، فالقصة جاءت خالية من التشويق، وتبريرا فكريا لعمل سياسي أخرق هو محرقة الرياض.
فقد بدت اجتهادات الشنقيطي الفقهية محاكمة لا تاريخية لأمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون.
أراد الشنقيطي أن يفتح نقاشا فقهيا حول قضية حسمها الدستور وجرمها القانون وتجاوزها التاريخ، فجاءت أفكاره نصف تفكير، وخانته البلاغة والتعبير.
على كل حال نرجو أن يحافظ محمد المختار الشنقيطي على مكانته الفكرية المستحقة بالمزيد من الاستقلالية والبعد عن الارتهان الحزبي، ولكل جواد كبوة.
وقد كان السلف لا يقبلون حديث الثقة المدلس إذا عنعن، وربما كانت أجواء التكييف في منطقة الخليج قد أثرت على المفكر الموريتاني المتألق، ولكل حادث حديث.

15. مايو 2012 - 11:34

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا