غالبا ما يمانع الكثيرون في مقارنة موريتانيا بمحيطها العربي لعدة أسباب تتعلق بحداثة عمر الدولة وضعف امكاناتها الاقتصادية وانخفاض معدلات التنمية البشرية فيها إذا ما قورنت ببقية دول المغرب العربي مثلا، وحتى بسبب التركيبة السكانية الموريتانية المزدوجة (عربية ـ افريقية) وبمستوى الوعي السياسي والثقافي أيضا.
غير أن الكثيرين من هؤلاء لا يمانعون عادة في مقارنتها بالدول الافريقية خاصة المجاورة كالسنغال ومالي. ولإن كانت المقارنة الاقتصادية ـ نظريا ـ مع هتين الدولتين غير واردة بسبب تفوق موريتانيا اقتصاديا (رغم فقر شعبها وسوء بنيتها التحتية)، فإن الجانب السياسي يبقى الميدان المستساغ في أي مقارنة، خاصة في اللحظة الراهنة لما تشهده الدول الثلاثة من أحداث سياسية مهمة ولانعكاس أوضاع كل منها على الأخرى.
لقد عاشت السنغال ومالي خلال العقد الأول من الألفية الثالثة ظروفا متشابهة من حيث الاستقرار (إذا نحينا مشكلة أزواد والقاعدة في شمال مالي لخصوصية هذين الملفين) والممارسة الديموقراطية وان اختلفت خلفية تلك الديموقراطية نسبيا لصالح المعايير السنغالية، حيث كان النظام مدنيا صرفا لم تسبق عليه "عسكرة" أو "تعسكر". كما شهد البلدان تقدما في التنمية أحسن مما عليه الوضع في موريتانيا وهو أمر طبيعي لأن التنمية توأمة الاستقرار خاصة مع الإرادة والشفافية والممارسة الديموقراطية الحقة.
ولئن كانت السنغال ومالي قد دخلتا العقد الماضي بروح تفاؤلية وبأنظمة ديموقراطية جديدة فإن موريتانيا قد دخلته بنظام عسكري مرهق وبإرهاصات تغيير غير مرن، وكانت الظروف عكس ماهي عليه في الجارتين. ولا نحتاج هنا للإطالة في ما شهدته موريتانيا من هزات خلال هذه العقد ابتداء من الأزمات السياسية الى الانقلابات العسكرية الفاشلة والناجحة (ثلاث انقلابات وأربعة رؤساء)، ومرورا بالظروف الأمنية الصعبة حيث شهدت موريتانيا علميات ارهابية راح ضحيتها عشرات الجنود الموريتانيين وبعض السياح الاجانب.
اليوم تدخل الدول الثلاث العام الثاني من العقد الثاني من هذه الألفية بمسارات مختلفة، ففي الوقت الذي تحلق السنغال في ذرى صناعة التغيير السلمي بعد أن كادت تقع في خضم الفوضى وانتكاسة النموذج أو تشوهه، فإن مالي تشهد انتكاسة مدمرة بعد إقدام طغمة عسكرية بانقلاب فج وساذج يشبه ما شهدته موريتانيا 8 أغسطس 2008. بينما تتأرجح موريتانيا بين النموذجين السنغالي والمالي.
موريتانيا اليوم محكومة من طرف نظام عسكري يتقاطع مع النوذج المالي في خلفية القدوم وأسلوب المرجعية، ومع النموذج السينغالي ـ نسبيا ـ في الانتخاب الشكلي الذي شرع به نفسه واستطاع إقناع معارضيه بالمشاركة فيه،غير أن هذا النظام يعيش أزمات اقتصادية وسياسية خانقة ويعاني وضعية تفتح الباب على النموذجين المالي والسنغالي حسب سيناريوهات المستقبل:
فإما أن يقوم النظام الموريتاني بخطوات ثورية من قبيل الدعوة بشكل جدي وصريح وعاجل إلى حوار يفضي إلى حكومة ائتلافية تقود الى انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية مبكرة، ولا يشارك فيها رأس النظام عزيز (ببساطة لأنه ضابط انقلابي وبقاؤه في السلطة يحتم انقلابات قادمة).
وإما أن تزيد المعارضة في التصعيد لتدفع الجماهير في النهاية إلى اعتصامات مفتوحة واحتجاجات متواصلة تؤدي لاحقة الى إرغام رأس النظام على التنحي (تشابه مع السيناريوهات بعض العربية)، أو تؤدي إلى حمل العسكر على القيام بانقلاب عسكري قد يؤدي إلى حالة "عزيزية" أو حالة "مالية" جديدة.
وعموما تبقى موريتانيا محكومة بمسارين لا ثالث لهما (إذا تكلمنا عن النموذج الافريقي الأقرب من وجهة نظري من العربي)، فإما إجماع وطني على ابتعاد العسكر (قبل الإبعاد) عن السلطة والإنصهار في التجربة الديموقراطية المدنية (نموذج السنغال)، وإما الاستمرار في العسكرة ولو لبست لبوس الانتخابات وهذا ما يرشحها للاقتراب أكثر من النموذج المالي خلال فترة وجيزة.
ومهما يكن من أمر فلن تبقى موريتانيا بمنأى عن تأثير مناخ المنطقة عموما، إن لم يكن بالإلتحاق بالركب العربي ففي الركب الأفريقي ما يسع الحراك الموريتاني بشكل إيجابي أو سلبي حسب ما يحدده الموريتانيون وما يطمحون إليه.