تلك هي الأيام تحمل في طياتها الكثير من المفاجئات الغريبة، هكذا بكل بساطة تختطف القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الجندي اعل ولد المختار، تتجاهل الحكومة الموريتانية الأمر وتتناساه، يضغط الجنرال على الأم ويحذرها من الكلام، أو التواصل مع أصحاب الضمائر الحية...
لكن يبقى في شنقيط -أرض المنارة والرباط، وأرض العلم والعلماء، بلاد المقاومة ودحر الاستعمار- يبقى فيها من يرفض الظلم والاستكانة، يبقى فيها من يقيم وزنا للمواطن الموريتاني، للانسان الموريتاني، من يقيم وزنا للجندي الموريتاني...
يبقى فيها من يقول بصوت واحد، وعبر حناجر غير مبحوحة:
"لا لتجاهل الضعفاء"،
"لا... للاستخفاف بأرواح جنودنا وحماة أرضنا"،
"نعم لدعم قضية الدركي المختطف اعل ولد المختار"،
"نعم لتحريره من مختطفيه"،
إن هذه الشعارات وغيرها تدل على أن الشعب الموريتاني ليس شعبا منبطحا ويخاف السلطة -كما يظن البعض- وإنما الحقيقة تتجلى في كونه لم يعد شعبا يحتمل نظرة اللامبالاة التى تتعاطى بها الحكومة مع قضاياه، بما فيها قضية اعل ولد المختار التي هي قضية كل الموريتانيين بلا استثناء. فاختطاف الجندي اعل ولد المختار يعنى اختطاف كل جندي يدافع عن هيبة وطنه، كما تعني اختطاف كل موريتاني وفي لوطنه ومخلص له.
ولذا فإن من أوائل من حملوا قضية اعل ولد المختار لا يعرفونه شخصيا، ولا تجمعهم معه الرابطة الاجتماعية أو الجهوية، ولا أية رابطة أخرى سوى الوطن...
ذلك أن الجندي اعل ولد المختار يمثل هيبة الوطن وكبريائه.
ولم يفوت -الداعمون لقضية اعل ولد المختار- الفرصة في أن تسطرأسماؤهم في سجل التاريخ بأنهم أول من دافع عن قضية أول جندي موريتاني يتم اختطافه منذ استقلال الدولة الموريتانية.
وكما تعلمون جميعا: "التاريخ لا يرحم..."
ولكن للأسف هناك من لم يفهم الدرس، مستمرا في تجاهله للأمر وكأن الجندي اعل ولد المختار ليس من جنود بلادنا، ولم يعتقل في وضح النهار وهو يدافع عن هيبة الوطن وحوزته الترابية...
إن ذلك التجاهل جعلني أهيم بين الكثير من الأسئلة والاستشكالات: فهل يعقل أن يكون الكيان الصهيوني البغيض، أرحم منا نحن الشناقطة مهد المروؤة والقيم السامية؟
أم أن الجندي الاسرائيلي "كالعاد شاليط" أفضل من الجندي الموريتاني اعل ولد المختار؟
ألم يستبدل شاليط بألف أسير فلسطني؟، آلا تتذكرون أن الكيان الصهيوني الوضيع شن حربا لاهوادة فيها على قطاع غزة، وقتل ودمر من أجل تحرير "شاليط"؟
لقد قامت الدنيا ولم تقعد لحظة اعتقاله من طرف حماس، وطالبت بتحريره كل دول العالم، لكن -للأسف- لا أحد يتحدث اليوم عن الجندي البطل اعل ولد المختار، حتى حكومة بلاده تجاهلته، ولم تعلن عن اختطافه في وسائل إعلامها الرسمية، أتعرفون لماذا؟
لأنه موريتاني، فلا أحد يقيم وزنا لنا، حتى حكامنا يتجاهلوننا، غير آبهين بأرواحنا؟
إن هذه النظرة لابد أن تتغير، ولا بد أن نرسخ ثقافة جديدة تضفي الكرامة، وتعطي الاعتبار للمواطن الموريتاني، ومن أجل ذلك علينا أن نشمر عن سواعدنا ونناضل حتى يتحرر اعل ولد المختار، وحتى يتحرر كل مواطن موريتاني مكبلا في قيود الاذلال والخوف واليأس.