"ارحل" صوت حر دون شك، موقف صريح من حالة الاستبداد، أوضاعا وأشخاصا. إن قبول حالة الاستبداد ضعف في المستوى، وعيا وممارسة، ولا شك أن المعيار الأول لوعي الشعوب هو طبيعة أحكامها وأنظمتها في الحكم والتسيير.
وأما استمرار الحكم العسكري لدينا، دون تحرك لإسقاطه وإنهائه، مؤشر تختلف وخوف وعجز كبير. وطلائع التغيير وبشائره من خلال نشاطات الطلاب والشباب والكبار على السواء، تدل على صحوة ضمير جماعي، يرجى لها على نطاق واسع أن تتجسد وتعلو إلى تحقيق المقاصد دون إفراط أو تفريط، أو بعبارة أخرى دون تساهل أو غلو وشطط. إن المطالب المكبوتة عند الشعوب، قد تسبب نتائج كارثية إن تم التعبير عنها دون حماية لمكان وزمان هذا التعبير المشروع. وإن ما يمارس الحكام من استعباد جماعي لشعوبهم العربية والإفريقية بوجه خاص، لم يعد مقبولا، حسب مؤشرات (الربيع العربي) المتزايد المتصاعد. فلتتعقل عروش الطغيان العربي هذا الفجر العربي الصادق قبل حلول اتسونامى. فإما التعبير والتغيير السلمي، وإما الفيضان الحر الطليق المدمر. ولا أظنه إلا قادم بعضه "على الأقل" في بلاد شنقيط، لجمود سلطتها (وعزيزها) على خيار القمع واحتقار رسائل المجتمع. فمسيرات الآلاف وغضب الطلاب وتحركات السياسيين المناوئين وكتابات الجدران "والفيس" والمواقع والصحف، كل هذا يكفي لمن يعقل أو يدرك. "العاقل بوقمزة والفاسد بودبزة" وما سوى هذا من تدبير النظام المتهاوي ومخابراته المنقسمة، فلا يهم باختصار. وتشكيل الكتل الوهمية والمبادرات ذات الأسماء المتعددة، لم يعد ينطلي على من تبين حقيقة الملهاة واللعبة القذرة القائمة على استغلال الشأن العام، معنى ومنفعة ضيقة قاصرة!!!. إننا في هذا المقام التحليلي التحذيري الناصح نحذر من نتائج وإفرازات آلة قمع النظام، وعواقب العنف الأعمى الطائش الأحمق اللائح في الأفق، على وجه متصاعد متزايد، يوحي بمواجهة لا خير فيها للنظام الهش، الموشك على السقوط المرتقب. والثورة، إن تضرر- بعض روادها - فقمعها وقودها. وقد حرص الساسة والإعلاميون - من أنصار الثورة الجارية- على الابتعاد عن العنف والتلويح بتصفية الحسابات الضيقة. أما اليوم فقد أصر العسكري الانقلابي وبعض أزلامه على التصعيد والمواجهة والقمع، فاتحا الباب لخيارات أخرى. أقلها الدفاع عن النفس، وبشتى فنونه، واللجوء إلى كل الطرق السليمة والقانونية، لحماية المحتجين والمشروع التغييري السلمي الواعد. إن أحداث يوم الأربعاء - الموافق 16-5-2012 - من تفريق المتظاهرين السلميين، مع الضرب الشديد والاعتقال الواسع النطاق، وتعويق صوت حر لا فكاك منه، إلا إلى المجهول، نذير شؤم مخيف عند أصحاب الألباب!!!. احذروا يا انقلابيي موريتانيا هذا المجهول القادم المغيم. إن "القاعدة" رغم ثوبها "العنفي" الظاهر، ذات خلفية إسلامية، وهي أقرب عاطفيا وسياسيا للمتظاهرين من النظام العلماني العسكري الجاثم على الصدور. والقاعدة أجرت مراجعات نحن أعلم بتفصيلها ومنها - على وجه الاحتمال الراجح - عدم الاعتداء على الأنظمة المجاورة، إلا في حالة الدفاع عن النفس، وهي خارجة عن دائرة (الاعتداء أو الهجوم) طبعا. والقاعدة والأزواديون يحاولون إقامة دولة انفصالية، وهي إرادة تستدعي جملة تحالفات قد تكون من أقربها، وبشروط متعددة التحالف مع الأنظمة البديلة المنتظرة بعد رحيل عزيز وبوتفليقة وغيرهما، وهذا سيترتب عليه جلوس القاعدة مع غير (القاعديين) على طاولة مفاوضات هادئة، حالا ومستقبلا، وسيكون من أكبر نقاط التوافق إزاحة أصحاب القصور المغتصبة، بعيدا عن شفافية الاقتراع والاختيار الحقيقي الحر. إذن هذا بعض المجهول!!!. ومعشر الإسلاميين المسالمين، لن يتخلوا دائما وأبدا عن إخوانهم "المتطرفين" في القاعدة وغيرها، دون عطف نصح وتوجيه واحتواء واستغلال إيجابي حضاري. ولماذا يتعامل الغرب مع أكبر متطرف غربي - الكيان الصهيوني الإسرائيلي- بأسلوب سلس، ولا يفتح الإسلاميون في ميدان النظر والفحص "الحركي" موضوع القاعدة، في المشرق والمغرب على السواء. إنني من هذ المنبر أدعو أبناء وتلامذة أسامة بن لادن في كل مكان، إلى الالتقاء الحر مع الإسلاميين "المتسيسين المتمدنين المتمقرطين". لتحويل الموضوع تدريجيا، إلى ساحة الحوار والتعاطى السياسي المسؤول، وتوجيه البنادق إلى ساحتها الحقيقية، محل الاتفاق والإجماع. ومن المجهول أيضا، تحريك أنصار الثورة داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، لعصيان الأوامر غير الشرعية الداعية من قبل ولد عبد العزيز، إلى القمع والاعتقال غير الشرعي، وتفتيت قوى المجتمع، بالإضرار المتنوع غير القانوني. إن بيرام أخطأ، لكن عزيز استغل الخطأ إلى أبعد الحدود المهددة للوحدة واللحمة بين مكونات المجتمع المختلفة. فأيهما أحق بعقاب أكبر، في سياق محرقة الكتب المثيرة للجدل؟!. ومن المجهول، مما لا تعرف أو تتوقع قريبا "على الأقل" يا عزيز، خروج وشيك قاهر مذل، من قصرك وعرينك الوهمي!!!. اصبروا معشر المطاردين الصابرين "ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ". سورة العنكبوت، "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ". سورة آل عمران. وعلى العموم، رغم دعوات التهدئة والتعقل لا يبدو الحاضر الحالي ولا الأفق القريب القادم، خاليا من القمع وشوائب العنف. ونحمد الله أن الأمور لم تصل بعد، إلى حد كبير مؤذ للأنفس، رغم الاقتراب من دائرة الخطر بشكل مثير للخوف الموضوعي، من الانفلات الأمني، الذي يسعى إليه النظام للاحتجاج به على الطابع "غير السلمي" للثورة البيضاء المظفرة الجارية الأحداث. إن الثوار حسب السياق –مسالمون حكماء- وقد رفضوا الانسياق مع أجواء التصعيد والاستفزاز وما زالوا صبرا - بضم الصاد - يحبسون أنفاسهم عن القصاص، الذي قد يفضي إلى المجهول المشار إلى بعضه، والذي يجر إليه النظام جرا، لغرض في نفس يعقوب أو عزيز على الأصح. إن القائمين والمشاركين في الاحتجاجات السلمية الدستورية المشروعة الجارية، ينبغي أن يضاعفوا الحذر من العنف، وهو أكبر خطرعلى ثورتنا وانتفاضتنا الحالية. إن هذا الشعب يكره العنف ويأبى الدخول في سياقه، لأسباب تاريخية معروفة، ولا أحسب ضحية هذا القمع إلا النظام ذاته، لأنه يجلب على نفسه المزيد من الكراهية والرفض والعزلة القاتلة، المؤدية سياسيا وفعليا إلى سقوط النظام، تحت وقع أسباب كثيرة، "وقشتها التي قصمت ظهر بعيره" هو هذا العنف – محل الجدل. فالتبشروا، صوتكم الحر القدري الفطري، أثمر بسرعة، التغير السلم الجذري على الأبواب. "لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا". من سورة الفتح. أما الرؤيا التي تخص هذا المشوار الثوري السلمي النضالي الحالي، فسنقصها في حينها بعد وقوعها.