بعيدا عن الجدل السياسي القائم يسعدني كمواطن ان أوجه طلبا للرئيس متمنيا تنفيذه في أسرع وقت ممكن.. يتعلق بسيدة تبكي كل يوم. السيد رئيس الدولة هنالك سيدة من مواطني هذا البلد، ومن شريحة الفقراء، تتعذب يوميا وتبكي أملا في اجراء بسيط يمكن لحضرتك أن تنجزه بجرة قلم.
ام الخير بيت محمد هي سيدة مقيمة في مقاطعة لكصر وهي والدة محمد عبد الله ولد احمدناه، احد عناصر "خلية كريستوف" المتهمة بقتل المواطن الأمريكي "كريستوف لكت" في نواكشوط عام 2009. سيدي الرئيس انا صحفي عملت منذ 2005 في تغطية شؤون الإرهاب واعلم حجم ضحايا رصاص القاعدة والحركات الإرهابية المتحالفة معها، وكتبت اكثر من 100 تحليل ومقابلة متخصصة ومترجمة لعدة لغات، ولست من الغباء بحيث اتحدث عن الموضوع بسطحية. ورغم معارضتي لمقاربتكم الأمنية لمكافحة الإرهاب الا أنني لن ابحثها في هذه الإشارة البسيطة، انني مهتم هنا بموضوع آخر وهو مناصرة المواطنين فقد حاولت من خلال مسيرتي ان اكون مناصرا للمواطنين، انت أيضا تناصر المواطنين ـ على طريقتك ـ فانت بالمنطق البسيط انا أتقاسم مع حضرتك جزءا من مناصرة المواطنين رغم الاختلاف في قضايا أخرى مصيرية وجوهرية، رغم انك انت الرئيس بكل ابهته وقادر على فعل اشياء كثيرة في بلد لا يزال شعبه يمجد السلطة والجيش، وانا غير قادر على فعل شيئ في بلد لا يزال شعبه لا يضع وزنا كبيرا للصحفيين. ام الخير يا سيدي الرئيس موضوعها معقد، انها ام ولد احمدناه الذي حكمت عليه المحكمة الجنائية في مارس 2011 بالاعدام إدانته بتهمة قتل الأمريكي كريستوف لكت في نواكشوط عام 2009. وفي مايو الماضي نقل مع 14 سلفيا من السجن المركزي بموريتانيا الى سجن سري ترفض السلطات الإعلان عنه، فيما قلت انت انه "منطقة امنية معزولة". انا هنا لن اتحدث كمحامي لولد احمدناه حيث الطعن والاستئناف والإجراءات القانونية الواردة حول وضعه كسجين، ولن أتحدث كمنظمة العفو الدولية وعشرات المنظمات الاخرى التي تطالب بكشف مكان المعتقلين.. إنني أتحدث عن حق بسيط، وهو حق هذه الأم في ان ترى ابنها وتطمئن عليه. ربما ان احدا لم ينقل اليك هذه الحكاية في انشغالك بالجدل السياسي وإدارة أمور البلاد المتشعبة اقتصاديا وسياسيا. انني اكتب هذا المقال تمجيدا لدموع هذه السيدة التي تتصل بي يوميا تقريبا.. إنها لا تفهم الكثير مما يجري، لكنني وانا المتابع للملف اعرف ان من حقها قانونا وشرعا وعرفا وإنسانيا، ان تزور ابنها في معتقله وان تطمئن عليه، وزيارتها لن تكلفك الكثير سيدي الرئيس. سيدي الرئيس كن انسانا في هذه القضية وانت الذي تعرف ذعرنا الحقيقي كبشر ونحن نواجه غياب ابنائنا في المعتقلات والسجون على اثر جرائم ارتكبوها.. إن ام الخير تحمل قلب ومشاعر أم.. انها تعرف ان جسد ابنها لا يزال يحمل رصاصات الشرطة وتعرف انه مريض، وتعرف اكثر انه ضرب أمام منزلها بالرصاص لحظة الاعتقال. ارهابي ام غير إرهابي.. يستحق أم لا يستحق.. ليس هذا ما ننقاشه اليوم وهنالك من لجان القضاء وحقوق الانسان والموظفين من عليه الاهتمام به. اننا نناقش الرحمة والقانون في هذه الدولة التي وعدت يوم مجيئك ان تقسم الموجد من العدالة بين اهلها.. ان مكافحة الفساد التي ترفعها سيدي الرئيس تقتضي اعطاء الناس حقهم، ومن حق ام الخير ان ترى ابنها وتتحدث اليه، وهذا حق بقية الاهالي الذين تم ترحيل أبنائهم إلى مكان مجهول، حق لا يسقطه أي اجراء، وهذا يعني حتما انهم مظلومون، والعدالة تقتضي رفع الظلم تدريجيا وانطلاقا من الاولويات. ام الخير ليست من رموز الفساد، انها سيدة بسيطة تحلم برؤية ابنها، لها الحق في ذلك مهما كان منطلقنا في النقاش وتقاليد الجمهوريات لا تسمح بتعذيب ام ووضع قلبها على فرن ملتهب بهذه القسوة. ان هذه السيدة لديها القدرة على البكاء والاتصال بالصحافة لشرح قضيتها.. انا كصحفي لدي القدرة على كتابة مقال يمكن ان يصلك او لا يصلك.. حضرتك لديك القدرة باعادة البسمة لهذه السيدة واعادة الدماء الساخنة الى وجهها.. فتقدم خدمة لقلب جريح فتمطر سماء العدالة على عواطف احرقها جفاف البعد والقهر.. التارخ لديه القدرة على تدوين كل ما نفعله انا والسيد الرئيس وام الخير.