قضية العبودية...وإشكالية الحلول المفقودة / محم ولد الطيب

تشكل العبودية اليوم القضية الحقوقية المركزية التي تعتبر مصدر الجذب الحقوقي لكل من ينصب نفسه حقوقيا، فقد أصبحت اليوم وبعد مرور نصف قرن على النضال الحقوقي من أجل القضاء عليها أكثر جاذبية من ذي قبل، إذ لا تزال الأصوات تتعالى حولها ولا يزال أغلب المدافعين عنها ينظرون إليها نظرة أسلافهم ويرون أن شبحها لا يزال مخيما في كل مكان، الأمر الذي يفسر "الطفرة الحقوقية"

 في السنوات الأخيرة، إلا أن تلك الجهود كلها لم تغير في الأمر شيئا فيما يبدو فلم تنخفض نبرة الحقوقيين الذين لا تزال  العبودية عندهم بمثابة ورقة ضغط رابحة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ليس هو:هل لا تزال العبودية موجودة أم لا؟ وإنما هو: لماذا لم تقدم كل هذه النضالات الحقوقية والجهود المتتالية نتائجا ملموسة من شأنها القضاء التام على ظاهرة العبودية وطي صفحتها إلى الأبد، بحيث لم يعد يتم الحديث عنها إلا في معرض الحديث عن التاريخ؟

أعتقد أن المسألة  جد معقدة إذ تتشابك فيها عدة مؤثرات تشل عجلات الإرادة للقضاء عليها، ولعل من أهم تلك المؤثرات نذكر:

1-المجتمع: فالمجتمع لا يزال يساهم بجد في ترسيخ الفكر الاستعبادي، وبعث التراث المأساوي للعبودية، وذلك من خلال نظرته التمييزية الواضحة بين أفراده، والتي تحول دون تحقيق الاندماج الاجتماعي، فالمجتمع ينظر إلى الأفراد دوما على أساس أنهم غير متساوين وإن بطريقة ضمنية تظهر أحيانا في سلوك بعض الأفراد، فالمجتمع الموريتاني أشبه ما يكون بالمجتمع اليوناني القديم الذي قسمه أفلاطون إلى ثلاث طبقات متمايزة :الطبقة الذهبية –الطبقة النحاسية –الطبقة الحديدية ، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن المجتمع ليس متساويا وليس له أن يتساوى، إذ كيف يتصور تحول الذهب إلى حديد، وأنى للحديد أن يتحول إلى نحاس؟ نفس الشيء ينطبق تقريبا على المجتمع الموريتاني فالطبقات الاجتماعية قارَّة  الأمر الذي يفسر نظرة البعض إلى البعض الآخر نظرة دونية قوامها الازدراء والاحتقار  وهذا ما لا يجوز في الدين ولا في القوانين "فكلكم لآدم وآدم من تراب"، وعلى أساس ذلك يمكن القول أن المجتمع الموريتاني لا يزال يحتفظ بجذور صلبة  للتمييز تقف أمام اضمحلال العبودية، منها: العنصرية التي تتجلى في كل مكان : في الشارع ،في الزواج ، في وسائل التواصل الاجتماعي، والتهميش الذي يتجلى في السياسة والإدارة الاشتراك في المسؤولية وصنع القرار.

2-الحقوقيون: وتأثيرهم على شلِّ عجلة الإرادة في القضاء على العبودية يتجلى واضحا من خلال عدة أمور منها:

-القطيعة الواضحة والمتعمدة بين الحقوقي والضحايا، وجهله في الغالب بحجم معاناتهم الأمر الذي يجعل بعض الحقوقيين يلجئون إلى التلفيق والمبالغة أحيانا في بعض القضايا  والتي تتجلى في الغالب في الأرقام التي يقدمون دون دراسة ولا مسح اجتماعي.

-فوضوية العمل الحقوقي فكل شخص أصبح يدعي أنه حقوقي، فصار الدفاع عن العبودية بمثابة موضة يراد من ورائها الشهرة والظهور.

-الخلط بين الأوراق :فالكثير من الحقوقيين يخلط بين القضيتين ولا يفصل بينهما:قضية الحراطين ،وقضية العبودية .

-شرائحية النضال الحقوقي ضد العبودية :ونعني بذلك أنه يوجد شبه إجماع ولو نظريا على ضرورة القضاء على العبودية، ولكن حين تنظر إلى المناضلين ضدها لا تجد إلا شريحة واحدة وبضعة أشخاص يعدون على أصابع اليد في الوقت الذي كان ينبغي اعتبار العبودية قضية وطنية يحاربها الجميع.

-اعتماد التشخيص دون البحث عن الحلول، فالكثير من الحقوقيين يقفون على حدود ترديد لازمة أن العبودية لا تزال موجودة دون أن يقدموا لها حلولا عملية.

ومثال على ذلك أنني التقيت ذات يوم رئيس منظمة حقوقية مشهور وسألته عن ما هو الحل المثالي في نظره للقضاء على العبودية؟ فأجابني هو:إسقاط النظام.

3-الدولة: فالحكومات المتعاقبة  بدل أن تسعى إلى تقديم حلول جذرية للعبودية قابلتها بالرفض وشيطنة من يدافعون عنها واتهامهم أنهم عملاء لجهات هدفها تخريب البلد والإخلال بتماسك مكوناته ولحمتها، صحيح أن الدولة سنت قوانينا لتجريمها وأنشأت محاكما خاصة بها، ولكن ذلك ظل مجرد خطوات مرتبكة ومتناقضة إذ كيف تسن قوانين لشيء لا وجود له؟ .

كان على الدولة أن تسهر على التطبيق الحرفي للقوانين، وما لم يتم ذلك ستظل العبودية مستشرية إلى الأبد، فالقوانين لا تكفي إذا لم تدعم بالسلطة والقوة.

6. أغسطس 2018 - 11:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا