بعد شهر بالتمام والكمال، سوف يدعو الموريتانيون لانتخاب مجالسهم الجهوية، ونوابهم وعمدهم، في عملية التي تشبه مهرجان مشاجرة أكثر منها انتخابات بما في الكلمة من معنى. وباستثناء حوالي عشرة من التشكيلات التي يمكن أن تدعي برنامجا متماسكا نسبيا، فإن المائة الأخرى من الأحزاب التي ستخوض المعركة ليست أحزابا إلا بالاسم. إن قرار الحكومة بحل أي حزب لا يترشح لانتخابين متتاليين
أو لا يحصل على أكثر من 1% من الناخبين قد أيقظهم فجأة من سباتهم. النتيجة: أعطي بعض أحزابهم بسخاء، وباع آخرون بيعا صريحا مقاعد في لوائحهم – أفضل الرتب بالطبع - واستقبلوا جميعا كل غاضب مستاء، خاصة من حزب الدولة الذي لم يستطع تلبية طلبات آلاف المتقدمين للترشيح. ففي نواكشوط وحدها، تتنافس أكثر من أربعين لائحة على أصوات الناخبين في كل مقاطعة، إلى جانب اللوائح الوطنية التي يتجاوز عددها مائة. وفي المناطق الداخلية من البلاد، فإن المنافسة، التي شحذتها الرهانات المحلية والقبيلة المتفاقمة، قد بعثرت الناخبين شذر مذر، مع مخاطر التجاوزات الحقيقية. في مواجهة هذا التضخم في المرشحين والأحزاب والشعارات، هل تستطيع لجنة الانتخابات أن إعداد بطاقات التصويت وإرسالها إلى داخل البلاد في هذا الوقت القصير. وباختصار، تنظيم انتخابات شفافة وذات مصداقية؟ إن هذا يدخل، على أقل تقدير، ضمن أعمال هرقل. وإذا تم تنظيم الانتخاب على النحو المقرر، فكيف سيتمكّن الناخبون من الاهتداء إلى طريقهم بين هذا العدد الهائل من بطاقات الاقتراع؟ خلال انتخابات عام 2013، مع عدد أقل من الأحزاب السياسية، احتل حزب البطاقات اللاغية الرتبة الأولى من حيث عدد الأصوات. تصوروا المواطن المسكين الضائع، خلف الستار، بين هذا الكم الهائل من الشعارات، حيث لا يدري ما العمل. ستحدث معجزة حقيقية إذا استطاع الجميع التصويت بشكل صحيح. وعند الانتهاء من هذه العملية، التي لن تكون مهمة سهلة، فمن الوهم الاعتقاد للحظة أن أي حزب يمكن أن يفوز بالأغلبية في الجمعية الوطنية. قد يدفع الاتحاد من أجل الجمهورية ـ النسخة الجديدة من الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي، وبدون الأموال، ثمناً باهظاً جدا لاختياراته السيئة. يتمرد الناس عليه في كل مكان ولم يعد بعض كبار الشخصيات يترددون في دعم اللوائح المنافسة له دعما علنيا. كما أن المعارضة قد تدفع هي الأخرى ثمن تسويفها وقلة مواردها. لذا، ينتظر أن يستفيد العديد من الأحزاب الصغيرة من الوضعية، وتلعب على المشاعر القبلية والجهوية، لتحصل على وظائف عمدة ونائب في مختلف أنحاء البلاد. في الزمن العادي، كان من المستحيل تقريبا توحيد هذا العدد الهائل من الناس في أغلبية برلمانية ولكن الأمور تغيرت خفية. لقد أُلغي القانون حول الترحال السياسي بهدوء، ويستطيع أي نائب أن يغادر حزبه ويحتفظ بمأموريته. إن ولد عبد العزيز، الذي أدرك اتجاه التيار، أراد استباق الأحداث وإعداد، مثلما فعل في عام 2006، كتيبة من النواب المنبثقين من مختلف الآفاق، لكي يشكل، في نهاية المطاف، أغلبية طيعة راضخة له. كان كل هذا، في الحقيقة، مجرد سيرك لجعلنا، في النهاية، نتجرع إهانات جديدة؟