العسكريون المُتَسيّسون / محمد محفوظ متالي

تعتبر الوظيفة العسكرية وظيفة محددة ودقيقة تتمثل أساسا في بسط الأمن في الداخل و دفع صولة الخارج عن طريق إدارة العنف ضدهما،و يقول المنظّرون العسكريون:إن بناء شخصية لهذه المهامّ العنفية تتطلب تكوينا خشنا و أخلاقيات خاصة تتناسب مع المهة العسكرية و أوّلها ابتعاد القادة عن العامّة و عدم الالتحام بهم حفاظا على الهيبة العسكريةو صونا لتلك القوّة الخشنة لمجالها..

و ضرورة التكوين العسكري الخشن و ضرورة انزواء صاحبه عن العامة تتنافيان تماما مع المهمة السياسة التي تتطلب العكس..
من هنا جاءت حرمة ممارسة السياسة على العسكري لكونها تضرّ بالهيبة العسكرية و لكون من يمارسها سيمارسها انطلاقا من معارفه التكوينية الخشنة..
و ربما من عوامل ميوع السياسة في هذه البلاد و ضعف ممارستها النزيهة هو اندماج بعض القادة العسكريين فيها و عدم تورّعهم عن الاندماج فيها و من هنا يجب علينا كشعب أن نتطلّع إلى وضع حدّ لهذه الممارسات و الفصل بين هاتين القضيتين..
فحين تتولى الداخلية شؤون الخارجية و البيطرة شؤون النقل و المالية شؤون الريفية و العسكري شؤون المدني فكبّر أربعا على مختلف تلك القطاعات..لأنّ دلالة كلمة "النظام" توحي بمستوى من التنظيم و وضع كل شيء في مجاله و تخصّصه عكس الخلط بين القطاعات و المهامّ..
و ما زلنا في كل مناسبة سياسية يطالعنا بعض العسكريين على نمط جديد من التدخل في عالم السياسة و جعلها تنتقل من عالم المرونة السياسية إلى عالم العَسكرَة و ممارسة القوّة ..
إن وظيفة العسكري هي وظيفة من أنبل الوظائف و لكن في مجالها و تخصّصها و حدودها فحين تتجاوزه تداس بأخمص القدم و تسقط هيبتها التي يجب أن تظل مصونة للجميع.
و مجال انشغال قادة الجيش و الأمن يجب أن يكون ضمان الجاهزية القتالية للجيش و الأمن وانتصارهما في المعارك.. الأمر الذي يمنع أفراد الجيش و الأمن من التدخل في الشؤون السياسية كونها تقع خارج نطاق تخصصهم العسكري كما أن الانشغال بزيادة احترافية أفراد الجيش و الأمن و تطوير معارفهم ومهاراتهم العسكرية، تقود بالضرورة إلى تقليص النفوذ السياسي للقادة العسكريين بسبب انشغالهم بمهامّهم  المنوطة بهم و هذا ما جعل  أحد المفكّرين يقول: "إن القائد الذي يقوم بأدوار سياسية هو قائد غير محترف بالضرورة و غير صالح لتلك المهمّة"
و ختاما أقول إنه لا يمكن تعميم هذه الممارسات على الكلّ و لا يفهم منه ذلك فلا شك أن لدينا من القادة العسكريين من يلتزم بدوره الشريف و يقف عند حدوده و مهامّه و هو أمر يجب تقديره و تثمينه لهم و نرجو للبقية التفرغ لمهامّها المنوطة بها و ترك مجال السياسة للسياسيين المدنيين..

6. أغسطس 2018 - 11:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا