السياسة بالمفهوم الديمقراطي لا السلطوي تعني عقد اجتماعي يكلف من خلاله الشعب شخص أو اشخاص بمهمة تسير الشأن العام وفق ما يفرض القانون والعرف والمصلحة والواقع، وعليه تكون السياسة عبارة عن عهد عظيم وخطير .
ومن هنا السياسة مادة سامة تقتل مجتمعا بأكمله بمجر تعاطيها بطريقة غير صحيحة أو ممارستها من طرف من ليس مؤهلا،
وذلك نظرا لإرتباطها بحياة الناس في تعليمهم وصحتهم وأمنهم ودقائق أمورهم.
ونظرا لخطورة هذه الآلية فإن هناك عدة أمور من بين أخرى ينبغي أن تتوفر في الشخص الذي سيمارسها عن طريق الترشح لأحد المناصب، وهذه الامور سنذكر أهمها على سبيل المثال لا الحصر وهي :
1 العلم
فالسياسة لا تصلح بتدبير الجاهل والجهل هنا ليس بالمفهوم الضيق الذي يعني أن الشخص لا يأقر ولا يكتب بل تعني أن الشخص الذي لم يتلقى تعليما معمقا في أحد ميادين المعرفة سواء في الجامعات العصرية أو التقليدية (المحظرة ) يبقى شخصا جاهلا بلمفهوم السياسي وعليه الابتعاد عنها، وهذا ما يعني أن المعرفة والعلم هما أساس كل شي فعل السياسي أن يكون باحث وواعي ومتطلع وفاهم لحركية الواقع والمحيط من حوله، وذلك حتى يتسنى له تعاطي السياسة بالشكل الصحيح، ولن يستطيع الوصول إلى ذلك إلا بالعلم.
2 الصدق
السياسة لا تنضج تحت ظل لسان يكذب وذلك لأنها عبارات عن عهود وتصاريح واتفافات، و من لا يحترم العهود والاتفاقات سنيفر منه الجميع حتى ولو بعد حين، وهذا على خلاف ما تطلبه السياسة في ممارسها الذي لا ينبغي أن يتعهد إلا في حدود المعقول والمنطق، ويسعى جاهد مع ذلك إلى تحقيق كل التصريحات التي ألزم نفسه بها اتجاه من تعهد لهم، وبذلك تكون تجارته السياسية قائمة على القسط والحق والصدق مع الخالق والمخلوق.
3 القوة
السياسة لا تصح إلا في يد من هو قوي ، بمعنى أن الضعفاء الذين تغريهم الحياة والمادة ويستسلمون للحاجة لا يمكنهم ممارستها نظر لسهولة الانجراف وراء مغرياتها، ومن هنا لابد أن يكون السياسي صبورا على العمل بالمثابرة قويا في ذاته وجسمه، جدلدا ضد المثبطات والعقبات ومقداما في الامور لايخشا العواقب، وهذا ما يعني أن السياسة ينبغي أن توضع في مكان ليس في متناول الضعفاء.
4 الامانة
لا تثمر السياسة في يد الخونة وذلك لأن الخائن لا تردعه الاخلاق ولا القانون، بل حتى أنه في بعض الاوقات لا يراعي أعين الناس، وعليه فإنه لا بد أن يكون السياسي أمينا قنوعا بما لديه، يعرف معنى الحلال والحرام بالمفهومين الديني ولا ديني ويفرق بين المال العام والخاص، حينها يمكنه تسير الشأن العام بالمال العام دون سرقة او رشة ولو كاننتا على سبيل المكارمة .
5 الحنكة
حيث لا مكان للاغبياء وبطيئ الفهم وعديم الادراك في معترك السياسة، لانها تحتاج سرعة في الفهم و البديهة وحدة في العقل وحنكة حتى يستطيع الممارس من خلال ذلك أعطاء الحلو للمشاكل التي تفرضها السياسة في الوقت والمكان المناسبين .
هذه أقل الخصال التي ينبغي أن تتوفر في فرسان السياسة وعلى الاحزاب أن تراعيها في تقديم شخصياتها للمناصب الانتخابية.
و من الا كيد أن الكمال مستحيل في حق الانسان وقد لا يوجد شخص بكامل هذه الصفات، لكن هذا لا يمنع أي شخص من أنه يمكنه ان تتوفر فيه هذه الشروط خصوصا أنها في جلها مكتسبة ويمكن للجميع السعي من أجل التخلق بها حقا لا شكلا لمن اراد لذلك سبيلا.
ومن الاكيد أيضا أن هناك من بني شنقيط الاوفياء - الذين يمارسون السياسة اليوم - من تتوفر فيه هذه الامور وأكثر، لكن الغالب للاسف على عكس ذلك، وان كانوا يتوهمون غير ذلك فعليهم أن يدرك أن النقي في نفسه نقي في أعين الناس وقلوبهم حتى ولو أخفو ذلك أو أبدو غيره والعكس صحيح.
وهنا وجب التقدير والاكرام والاجلال للقلائل للذين تمسكوا بقيم الاخلاق والنزاهة ممن مارسوا الشأن العام بأداة السياسة، وذلك لإن المتمسك بهذه المبادئ النبيلة في هذا الزمن كمن يقبض على جمر، خصوصا أن القيم المجتمعية التي تدعوا الانسان إلى تلك المثل تلاشت بفعل الجهل والفقر والتماسخ التقافي والديني، وكذلك لإن اكراهات الواقع ايضا تفرض على الإنسان أن يتناسا روحه وجسده من أجل هوى نفسه الذي يسعى وراء المادة دون مل وكل.
وفي الاخير ليكن الجميع على علم أن السياسة ليست لعبة للاطفال ولا فضفاضة للبس ولا سيارة فخمة للتبختر ولاتركة تورث كمجد عن الاجداد ولا باحة ورد يجلس فيها الجميع لذلك هي تلعن كل من تعاطاه بغير وصفة طبية وتمجد وتخلد كل بطل عظيم عرفها وعمل بها .