بات من شبه القطعي أن البصمة الأمنية الموريتانية على أحداث الجامعة كانت بارزة لخدمة أهداف وأغراض سياسية ظرفية وآنية رخيصة تهم الجنرالات الممسكين بزمام الأمور في البلاد وهم الذين يدركون أنهم لن يكونوا بمنأى عن مساءلة اللحظة التاريخية الراهنة بعدما عاثوا في الأرض فسادا سياسية واقتصادا ووصلت إدارتهم بالبلاد إلى وهدة من التخلف الله وحده العليم بالمنزلق السياسي الذي ستقود إليه البلاد والعباد إن عاجلا أو آجلا.
سياق الحدث جاء الحدث الجامعي على بعد أقل من أسبوع من الحراك الشبابي المقرر في 25-04-2011 والذي تؤطره منسقية 25 فبراير التي حركت الشارع خلال الشهرين الماضيين بنجاح ميداني وجماهيري مقبول أضفى على الساحة نوعا من التململ وغذاها بجرعات من الاحتجاج أكدت مجددا على حتمية التغيير الشامل وساهمت معها الحركة العمالية الاحتجاجية المزدحمة أمام أبواب القصر الرئاسي يوميا في سحب البساط من تحت أقدام النظام الذي قدم نفسه منقذا للفقراء دون أن يستطيع أن ينجز شيئا ملموسا على الأرض وبدأت دعاياته القوية ترجع عليه وهاهو الشارع مجددا يحاكمه يوميا من خلال الحركة الاحتجاجية الدائبة لوضعه فعلا أمام استحقاق مقولاته وشعاراته مبرزا حجم التزييف والدعاية الجوفاء لرأس النظام الذي اتضح أنه يمارس التضليل والتزييف لمجرد البقاء في السلطة دون أن يقدم أي انجازات مقنعة للجماهير التي يدعي أنها انتخبته. هذا الجو الساخن القابل للاختناق والاشتعال هو الذي يؤرق صانع القرار لدرجة دفعت بالرئيس إلى التنصل من أغلبيته الداعمة له في لقاء كان من المفترض فيه أن يكون عائليا مهما كانت الضغوط التي يواجهها الرئيس فما خلق الله الرؤساء إلا ليحملوا عن غيرهم هموم الوطن خصوصا وأن شخص الرئيس الحالي هو الذي صرح ذات مرة غداة انقلابه على الرئيس الذي خدعنا هو ذاته لشرعيته قائلا "إن مشاكل الشعب لا تتركنا ننام" لكن يبدوا أن الذي يؤرق الرئيس أكثر هو إشكالية البقاء للأبد في السلطة لا بالإنجاز والفعالية وإنما بالمناورة. والافتقار للمناورة الذكية في هذه الحال هو حقا أكثر ما يؤرق أي رئيس يحلم بالبقاء في السلطة لعقود ولذلك طرح فكرة إنشاء حزب للشباب ليكون عامل جذب وتنافس بين فرسان الصفاقة والتصفيق في الأغلبية والحزب الحاكم ولكن بات من الواضح أن الأغلبية شبت عن الطوق وأكسبتها الحريات الديمقراطية شيئا من المناعة أمام سخافات منظري القصر الرمادي ولذلك ما إن انفض الاجتماع حتى كانت نتائجه المسيئة لنضال الحزب الحاكم والأغلبية حديث كل صالون ومادة لرسائل sms في هزأ واضح من الأغلبية بحلم الرئيس وتمرد ربما تكون تداعياته قادمة في قابل الأيام القريبة. حزب الشباب هو الآخر لم تمض إلا أيام قليلة على مباركة الرئيس له حتى نخرت الخلافات جسم مبادرته الأساس ولاحت في الأفق الاتهامات المتبادلة بين مؤسسيه مما يؤكد أنه لن يكون البلسم الشافي لِتَعِلاّتِ الرئيس وعلل الوطن وتطلعات المواطن. هذا الجو المُحبِط والقاتم هو الذي يفترض أن تكون ولدت فيه فكرة إلهاء الساحة بسخافة جديدة تهدد السلم والأمن الوطني وتهز التلاحم حتى لا ينهض الناس للدفاع عن ثرواتهم المسلوبة وجيوبهم المنهوبة بالغلاء المعيشي الذي يصنعه تحالف القارونية والهامانية المستحكم في موريتانيا منذ عقود وتجددت مؤخرا آماله في البقاء عقودا أخرى بما ترتب على اتفاق داكار المشئوم. حثالة الشباب في الحزب الحاكم دست أنفها لأول مرة في انتخابات الجامعة وأجرت منزلا لدعم تحالف بقايا نيازك الحركات القومية في الجامعة منذ فترة ووفرت سيارات ومنحت أموالا ومعدات وما إن توسطت الشمس كبد السماء حتى أكل اليأس من النتيجة المحبطة حتما قلوب الحثالة فكروا راجعين على جاهليتهم يمتاحون منها لحافا يغطي العار الذي ستكشفه النتائج، صناع الأمل الكاذب في الحثالة أيضا، أجمعوا أمرهم خلسة، على هامش المفاوضات، مع رئيس الجامعة على الدفع بالتوتير إلى أقصى مدى ممكن, لأن ذلك هو الحل الوحيد الممكن للإنقاذ الحثالة الهالكة ورئيس الجامعة المتقادم من غضب سيد القصر كيف لا وهو الذي ما فتئ يجرد من المناصب بلا رحمة من لا ينصاع للتعليمات المتوحشة لصاحب الفخامة ومقربيه. قرائن تكشف المؤامرة 1- الدور السلبي للإدارة: تتكاثر الأدلة التي تؤيد أن ما حصل مؤامرة خسيسة وتتضافر القرائن التي بالإمكان رصدها من أي متتبع للأحداث أن الإدارة كان لها دور سلبي تجاه المحافظة على الوضع والسيطرة على المنشآت والمباني بما تحويه من مكاتب هي في الأصل فصول وقاعات دراسية ولدى الإدارة حرس وأعوان كان بالإمكان أن يمنعوا ما حصل وبدون صعوبة كبيرة وهي التي ما فتئت تستخدم الشرطة وتستقدمها لانتهاك الحرم الجامعي دون وجود مبررات إلا مبرر حفظ أمن المنشآت والمرافق العمومية. والسؤال المطروح الآن لماذا لا تدخل الشرطة لاستتباب الأمن إلا بعد ساعات من اندلاع الخلاف الذي بدأ - حسب تصريحات رئيس الجامعة ذاته لـــ(لجزيرة في الحصاد المغاربي23-04-2011)- في الساعة الثانية ظهرا في الوقت الذي لم تتدخل الشرطة إلا الساعة الخامسة مساء. إن تعامل رئاسة الجامعة مع الأحداث يؤكد أنها هي التي وفرت الجو المناسب لحدوث هذه الفتنة والتي لا شك أنها كانت منظمة لخدمة أغراض سياسية صرفة لا علاقة لها بالطلاب أو الجامعة كما أن تصريحات رئيس الجامعة ذاته والذي لم يُدِن هذه الأحداث ودافع عن المناخ والأسلوب الذي جرت به في تصريحاته مما يدل على أنه يدافع عن فعل شكل لوقت ما قناعة أو خيارا مرغوبا سواء كان ذلك تم بإرادة شخصية منه أو تم خضوعا لأوامر جاءته من أعلى. 2- الشحن العرقي: والذي يؤكد أيضا بشكل لا لبس فيه دور النظام في صناعة هذه الأحداث أنه تم دعم مجموعة من اللوائح والاتحادات التي لا تتحرج من استخدام الخطاب العنصري الفئوي والعرقي وكان من المفترض أن يتوقف هذا الدعم من طرف النظام ومؤسساته لهذه المجموعات بعد أحداث 2010 التي أكدت بشكل لا لبس فيه أن استخدام هذه المجموعات للخطاب التحريضي خطر على الدولة والمجتمع. 3- الاستهداف الإنتقائ:من الواضح أن استهداف مقرات ومؤسسات التيار الإسلامي بشكل انتقائي وحتى تلك التي لا علاقة لها مباشرة بالتيار يدل بشكل واضح أن للتوجيه الأمني دورا واضحا في استدراج جماهير التيار الإسلامي لفتنة سخيفة ومن الواضح أن الذي اختار التيار الإسلامي ليكون طرفا مباشرا في مثل هذا النوع من الأحداث هو بكل تأكيد شخص مختل غريب على المجتمع الموريتاني لا يدرك بما فيه الكفاية حقيقة وطبيعة التيار الإسلامي فقد منحت سنوات المحن والمضايقة هذا التيار طبيعة صبر وضبط للنفس بها يحتمي من أي استدراج من هذا النوع خصوصا وأن هذه الأعمال منافية لقيمه وتوجهاته وخبرته بالتركيبة والبيئة الاجتماعية في موريتانيا. 4- تؤكد العديد من القرائن الأخرى أن الإدارة استقدمت بسعات قبل العملية أدوات الإطفاء تحضيرا لهذه العملية وأن الاتحادات القومية المتحالفة مع الإدارة أخرجت أمتعتها ونسوة من مناضليها لمقراتها المؤجرة بالقرب من الجامعة حسب ما أكد شهود عيان لحظات قبل انطلاق الشرارة الأولى والتي أطلقتها نفس الاتحادات التي تتجرع الهزيمة منذ عدة سنوات وخبرتها بالهزيمة المتكررة هي التي أوحت لها بمثل هذه الحيلة للتخلص منها مجددا. 5- كما أن احتفاظ الشرطة بمعتقلين من طرف واحد دليل واضح على أن الأمن هو من يتحكم في دولاب هذه الأحداث ويأتي بيان الجامعة معلنا حقها في المتابعة لمثيري الشغب واختارت الطرف الذي يمكنها من الانتصار عليه دعائيا وإلا فإن الاحتجاز كان ينبغي أن يطال الجهات المحرضة في الساحة أيضا والتي قادت دعايتها للأحداث في المحصلة النهائية. تلك وغيرها نماذج من القرائن الواضحة التي تدل على أن ما تم كان خديعة تستهدف خلق أزمة وتحديات جديدة تغطي على سلسلة من الإخفاقات المدوية لنظام ولد عبد العزيز الذي أدخل البلاد منذ منتصف العام 2008 في أزمات سياسية لن تكون هذه آخرها ولا أقلها مأساوية. والله وحد المسئول أن يرفع كل بلاء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.