التعليم الموريتاني وأد للبنين والبنات! / محمد سدينا ولد الشيخ ولد أحمد محمود

في عالمنا المعاصر أصبح التعليم مجال تنافس الأمم نحو مقامات الحضارة،ومجال تنافس الأفراد نحو الرقي والعيش الكريم وغيرها من أوجه رسالة الإنسان في الأرض.

ورغم هذا أهملت الدولة في السنوات الأخيرة التعليم في موريتانيا،وفتحت الباب على مصراعيه لكل من يريد حبس فئران للتجربة 

في إطار ما يسمى بالمدارس الحرة التي لم تخضعها لمعايير جودة تتعلق بكادرها التعليمي.وبذلك تفاوتت تلك المدارس علوا وهبوطا في فوضى عارمة لك أن تتخيل فيها الترخيص لمن استخدموا الطلاب ذريعة للجباية على الأهالي.
والجباية والمغرم فعل جبابرة لم يبذلوا جهدا كافيا لرفع مستوى الطالب الذي قد ينحرف إذا لم يجد الرعاية الكافية.

رقمت كل مدرسة من ذلك النوع مخازن على أنها مراحل تعليمية يتنقل بينها الطلاب بحجة النجاح،وتحرص على حبسهم طوال الوقت إلا أنها لا تتحمل مسؤولية فيما يتعلق بتحصيلهم المعرفي.تلقي باللائمة على ولي الأمر لتقصيره في تذكيرهم بما سبق أن مروا عليه من معارف..ومن دون تذكر التمهيد يبقي الطالب المسكين حائرا لا يفهم ما يلقى إليه من جديد،خاصة إذا تعلق الأمر بلغة أجنبية ليس في بيت أهله من يفهما.

المدرسة ليس في أجندتها مواجهة النسيان،أو استشعار خطره على جهودها المبذولة،كما أنها لا تنظر بواقعية إلى طلابها حتى تراعي ظروفهم التي تقتضي مخاطبة كل حسب مستواه،إنما تسابق الريح لتنهي البرنامج السنوي المفروض بصفة مركزية من صناع قرار جهلوا واقع الطلاب ولم يهتموا بكمالهم الإنساني...وفي تلك الظلمات يبقى الطالب المسكين في ارتفاع يصعد فيه سماء الوهم إلى أن يصطدم بواقعه المرير.

أما التعليم النظامي فيعاني هو الآخر نفس المآسي مضاف إليها ما تعرض له من شلل بسبب استحداث التعليم الحر الذي تغذى على موارده البشرية،ولم يعد الكادر البشري في التعليم العام مستعدا للإطلاع بالدور المنوط به مقابل أجر الوظيفة العمومية الزهيد..تلك الوظيفة التي لم تبال أو تحرك ساكنا لترفع أجور المعلمين والأساتذة التي ينبغي لها أن تواكب هي الأخرى متطلبات الحياة المتفاقمة كما واكبتها أجور القضاة وكتاب الضبط وغيرهم.

غابت رقابة الدولة إذا وغابت مسؤوليتها اتجاه التعليم بجميع أصنافه ،فتدنت الكفاءات وانعدم الكادر البشري المؤهل للحلول محل المتقاعدين،وصار أغلب حملة الشهادات يحتاج تكوين آخر،إما لأنه لا يستطيع المنافسة في سوق العمل،أو لأنه صار كقطعة غيار أعدت لماكينة غير موجودة.
تلازم هذا مع تنازل الدولة عن التزامها بتوفير فرص عمل لمواطنيها،وهي لا تزال ضامنة لذلك بموجب اتفاقيات دولية تحتم عليها توفير العيش الكريم للمواطنين،مع ضمان تعليم لائق لجميع الأطفال.
هذا الالتزام الذي لم تحترمه الدولة الموريتانية لأنها منخورة بإهمال مسئولين فاسدين يضعها في صف واحد مع من ارتكبوا باسمها تلك الجرائم ضد الإنسانية التي قد تلاحق جناتها أمام القضاء الدولي.

أرادت الدولة إخفاء جريمتها المتعلقة بتدمير مستقبل الشباب،فأنشأت مدارس الامتياز والثانوية العسكرية،وهي مدارس غير مخصصة للعباقرة والنوابغ بدليل أنها لا تعتمد في معايير اختيار طلابها اختبارات مستوى الذكاء،وإنما تعتمد فلسفة الامتحانات التقليدية،كما أنها لا تختزل الزمن ولا تعتمد منهجا مغايرا لمنهج التعليم العادي،فصارت وسيلة من سائل التمييز غير المبرر قانونيا...

بدد نظام التعليم البائس وقت الطلاب وحرمهم من أي تعليم آخر،وبه ضاعت عبقرية العبقري وتأزم وعانى شظف العيش،وانتشر التسرب المدرسي والجنون،وتحول جميع هؤلاء بلاءا بعد أن كانوا نعما،مقابل انتفاخ بطون دينصورات يأجوج ومأجوج التي تغذت على مستقبلهم الضائع.

5. سبتمبر 2018 - 11:48

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا