الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد فقد أرد ت بحديثي عن ( حسنات السياسة وسيئاتها )أن أبين فضائل العمل السياسي ، وما فيه من الخير العظيم لمن أخلص فيه لله ، واعتبَره قربة فتقرَّب به إلى الله ، وتذكَّر ما في جلب الخير للناس من أجر ، وما في دفع الشر عنهم من ثواب ،فاقتحم هذا المجال ، باذلا للوقت والراحة والمال ،
في سبيل إسعاد الناس ، وإماطة الأذى السياسي عن طريقهم ابتغاء مرضاة الله .
وأن أبين إلى جانب ذلك ما في العمل السياسي المعاصر من مُغويات ومُغريات ومُضِلات ، تَخرج به عن سَنَن المهتدين وتدخل به في طريق المغضوب عليهم والضالين ، راجيا أن يُسْهِم ذلك في دفع المترددين الوجِلين ، إلى دخول ميدان العمل السياسي النبيل ، جهادا في سبيل الله ، وسعيا إلى إعلاء كلمة الله .
وأن يكَفْكِفَ -من جهة أخرى- جِماحَ المقتحمين المغامرين ، الباحثين عن المنزلة والجاه والمال ، ليقفوا مع أنفسهم وقفة المُحاسِب يسألونها إلى أين ؟ وما الهدف ؟
مُدامُها القَرْقَفُّ حبُّ المنـــزلَه ْ فاذكُرْ إذا أردتَّ أن تخَلِّلَهْ
كم من أمير نال منها أمله ثم استوى الساجدُ والمسجودُ له
ولم أقصد إلى اختصار هذا المقال ، ولم أهدف إلى تطويله ، إنما حاولتُ استيفاءَ بيان ما أردتُّ بيانه ، فليعتبره طلبةُ العلم درسا في (ضوابط العمل السياسي) وليعتبره السياسيون توجيها وتسديدا ، ونصحا وترشيدا . ولا أقصد التعميم فيما أذكره فالناس في أعمالهم المختلفة في هذا العصر يصدق عليهم قول الجن ( وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قِدَدا )
وفي البداية أذكِّر بأن معنى السياسة كما قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر " القيام على الشيء بما يصلحه ." وفي الصحيح كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء أما في الاصطلاح فقد عرفها الإمام ابن عقيل بقوله : " ما يكون الناس به أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد . " وهو تعريف حريٌّ بالعاملين في الميدان السياسي وعيُه ، والعمل بمضمونه . وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق
حسنات السياسة
1. في العمل السياسي سعي إلى إقامة واجب من أعظم واجبات الدين فـــــــــــ"ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس... ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود ، لا تتم إلا بالقوة والإمارة ... فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله ، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات ، وإنما يفسد فيها حال كثير الناس لابتغاء الرياسة أو المال بها ." كما قال ابن تيمية في كتابه ( السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية )
2. بالعمل السياسي المبني على الفقه في الدين والإخلاص لله ، يمكن أن يكون المسلم من الربانيين ، ويمتثل قول الله عز وجل ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون )وقد فسر الطبري هذه الأية بقوله : " كونوا أيها الناس سادةَ الناس وقادتَهم في أمر دينهم ودنياهم ربانيين بتعليمكم إياهم كتاب الله وما فيه من حلال وحرام ، وفرض وندب ، وسائر ما حواه من معاني أمور دينهم بتلاوتكم إياه ودراستكموه . " قال والرباني هو : " الجامع إلى العلم والفقه البصرَ بالسياسة والتدبير ، والقيام بأمور الرعية وما يصلحهم في دينهم ودنياهم . " وأوضح أن الرباني نسبة إلى الربَّان وهو الذي يرب الناس ويصلح أمورهم . "
3. عن طريق العمل السياسي يمكن أن تتم (الإغاثة السياسية) بإيجاد حكم راشد يحيي سنة الخلفاء الراشدين ، ويملأ البلاد عدلا كما ملئت جورا ، وهذه الإغاثة في كثير من الأحيان أهم من الإغاثة المادية ، المتمثلة في المواد الغذائية والأغطية والأدوية والخيام ، لأن الطغيان يصنع بِيئةً موبوءة منكوبة ًتظل منكوبةً دائما تنتشر فيها الأخلاقُ الفاسدةُ من الكذب والغش والخيانة والغلول والتحايُل على المحرَّمات والمداهنةِ وطاعةِ المخلوق في معصية الخالق والفجورِ وغير ذلك
ومن الصعوبة بمكان أن توجد في هذه البيئة استقامةٌ ، وأن تنمو الأخلاق الرفيعةُ من الشجاعة والكرم والعزة وبقية الخلال الفاضلة
لذلك فإن (الإغاثة السياسية) لهذه الشعوب المنكوبة بالطغيان مقدمة- بعد الإغاثة الإيمانية – على كل إغاثة .ولذلك فمن حسنات العمل السياسي توفير هذه الإغاثة .
4. بالعمل السياسي يمكن تغيير منكرات كبيرة ، لها أثر مدمر في حياة الأمة ، مثل ظلم الحكام وجورهم واستبداهم بالرأي وإلغائهم لفريضة الشورى ، واتباع الهوى في التعيين في المناصب ، محاباة للأقرباء والأصدقاء والموالين ، وأخذِ المال من غير حقه ، وصرفِه في غير حقه ، والعكوفِ على جمع المال وكنزِه ، وموالاةِ اليهود والنصارى ، والخضوع لتوجيهاتهم ، فتغييرُ هذه المنكرات من الفرائض الواجبة وما لم تغير هذه المنكرات فالأمة آثمة . وهو نوع من الجهاد يمكن أن يدخل في حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحابٌ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلُفُ من بعدهم خُلوف ٌيقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ».رواه مسلم
والسياسيون بتغييرهم لهذه المنكرات يرفعون الإثم عن الأمة ، ومن هنا نقل الأصوليون عن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني وإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني أن القيام بفرض الكفاية أفضل من القيام بفرض العين ، وإلى ذلك أشار صاحب مراقي السعود بقوله :
وهو فُضِّلَ على ذي العين في زعم الاستاذ مع الجويني
5. بالعمل السياسي نقوم بعمل يتعدى نفعه إلى الآخرين وقد نص العلماء على أن العمل الذي يتعدى نفعه إلى الآخرين أفضل من العمل القاصر نفعه على صاحبه قال ابن الحاج في المدخل " ولا يُـخْتَلَف أن النفعَ المتعدي أفضلُ من القاصر على المرء نفسه بشرط السلامة من الآفات التي تعْتــَـــــوِرُه في ذلك . "
وهذا ما أشار إليه صاحب مطهرة القلوب بقوله :
وما تعدى نفعه لغيره أو شق بالنفس كصوم الشره .
ويمكن أن يستدل على ذلك بأدلة كثيرة من بينها
حديث أنس رضى الله عنه قال كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى السفر فمنا الصائم ومنا المفطر قال فنزلنا منزلا فى يوم حار أكثرنا ظلا صاحب الكساء ومنا من يتقى الشمس بيده قال فسقط الصُّوَّام وقام المفطرون فضربوا الأبنيةَ وسقَوا الركابَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ذهب المفطرون اليوم بالأجر ».رواه البخاري ومسلم واللفظ له
ومن سيئات السياسة :
1. إرادة العلو وهي من الظلم وفي ذلك يقول ابن تيمية في السياسة الشرعية " إن إرادة العلو على الخلق ظلم ٌ لأن الناس من جنس واحد ، فإرادة الإنسان أن يكون هو الأعلى ونظيرُه تحته ظلمٌ ، ومع أنه ظلمٌ فالناس يُـــــبْغِضون من يكون كذلك ويعادونه ، لأن العادلَ منهم لا يــُحِب أن يكون مقهورا لنظيره ، وغيرُ العادل منهم يؤْثِــــرُ أن يكون هو القاهر . "
وقد قسم ابن تيمية الناس في هذا المجال إلى أربعة أقسام :
القسم الأول من يريد العلو على الناس والفساد في الأرض مثل الملوك والرؤساء المفسدين قال وهؤلاء هم شرار الخلق .
القسم الثاني : من يريد الفساد بلا علو كالسراق المجرمين من سَفِلَةِ الناس .
القسم الثالث : من يريد العلو بلا فساد كالذين عندهم دين يريدون أن يعلوا به على غيرهم من الناس.
والقسم الرابع : هم أهل الجنة الذين (لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا)
2. الحرص على المال فمن أكبر مفسدات العمل السياسي النبيل خصوصا ، ومن أكبر مفسدات الدين عموما ، الحرصُ على المال فعن كعب بن مالك الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه . " رواه الترمذي وقال " هذا حديث حسن صحيح. "
وهل أفسد الحكومات ِالمتعاقبة َوجعل بلادَنا من أفقر دول العالم - مع ثرواتنا الهائلة -إلا حرصُ كثير من السياسيين على المال وبيعُ مصالح الأمة بثمن بخس ؟ وهل أفسد القضاءَ والقضاةَ ، وأشاع الرشوة في الإدارة إلا الحرصُ على المال ؟ وهل سلَّم ثرواتــِنا للأغراب الأباعد بثمن بخس إلا الجريُ وراء َ المال ؟ وهل امتلأت بلادُنا سموما ـ، وسَلِمَت الشركات المسمِّمَة من المتابعة الجنائية إلا بسبب الرشاوى التي يدفعها هؤلاء الجُناةُ للقادرين على حمايتهم ونجدتهم ؟ وهل ترسَّخ الطغيان والفساد والظلم والفقر والتخلُّف في بلادنا إلا بمساعدة السياسيين الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم ؟ واستغلوا جاههم في جلب للمصالح الخاصة بهم ؟ ولم يبالوا بالفساد والاستبداد .
إن الحرص على المال هو آفة العمل السياسي النبيل .ومن هنا كان الوعيد الشديد لمن يبايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فعن أبي هريرة رضي الله عنه يقول
: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها سخط ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال والله الذي لا إله غيره لقد أَعْطيْــــتُ بها كذا وكذا فصدقه رجل ) . ثم قرأ هذه الآية { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } رواه البخاري ومسلم قال ابن حجر في فتح الباري : " والأصلُ في مبايعة الإمام أن يبايعَه على أن يعملَ بالحق ويقيمَ الحدودَ ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، فمن جعل مبايعتَه لمالٍ يُــــعْطاه دون ملاحظة المقصود في الأصل ، فقد خسر خسرانا مبينا ، ودخل في الوعيد المذكور ، وحاق به إن لم يتجاوز الله عنه ."
3. العداوة والبغضاء فمن سيئات السياسة أنها توقع العداوة والبغضاء بين الناس ، وتزرع الفرقة والانقسام في المجتمع ، وهو أمر مناقض لأحكام الدين ، فالإسلامُ دين الوحدة والأُخُوة ، والنصوصُ التي تتحدث عن الأخوة ومقتضياتــِها ، وتـُحَذِّر من مناقضاتها أكثر من أن تحصر وقد قال القرطبي في تفسيره : " إن الله تعالى لما حرم الخمر أخبر بالمعنى الذي فيها فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية. ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} الآية. فكل لهو دعا قليله إلى كثير، وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه، وصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو كشرب الخمر، وأوجب أن يكون حراما مثله."
4. اكتساب الجاه بالتزوير فمن سيئات السياسة أن كثيرا من السياسيين يحاول أن يصنع لنفسه مكانة في نفوس الناس من خلال ادعاء صفات لا يتصف بها وهو أمر محرم في الشرع كما شرح ذلك الغزالي في إحياء علوم الدين حين قال " معنى الجاه قيام المنزلة في قلوب الناس أي اعتقاد القلوب لنعت من نعوت الكمال فيه ، فبقدر ما يعتقدون من كماله تذعن له قلوبهم ، وبقدر إذعان القلوب تكون قدرته على القلوب ." قال :"وكما لا يجوز له أن يتملَّك مالَ غيره بتلبيسٍ في عوض أو غيره ، فلا يجوز له أن يتملَّك قلبَــــه بتزويرٍ وخداع فإن ملكَ القلوبِ أعظمُ من ملك الأموال ." وفي الصحيحين عن أسماء قالت جاءت امرأة إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت إن لى ضرة فهل على جناح أن أتشبع من مال زوجى بما لم يعطنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « المتشبَّع بما لم يعط كلابس ثوبى زور ». رواه البخاري ومسلم يقال إنه كان في الجاهلية إذا طُلِب من رجل شهادة زور استعار ثوبين يتجمل بهما فلا ترد شهادته لحسن هيئته!!
5. الاستهانة بأوقات الناس فكثير من السياسيين لا يقلقهم ضياع أوقات الناس في اجتماعات ولقاآت ومهرجانات واستقبالات لا تحقق لهم مصلحة فينفَضُّ المجتمعون ولم يستفيدوا فائدة تُعادل الأوقات التي أنفقوها .والنصيحة لهذه الجموع تقتضي أن يحرص المسؤولون على توعيتهم وإرشادهم وتوجيههم وتنبيههم على ما ينفعهم وتحذيرهم مما يضرهم وأن يوزعوا عليهم كتبا ومطويات وأن يضعوا لهم برامج تكوينية ترفع مستواهم ، وتعرِّفهم بالواقع وتفقههم في الدين ، وأن يستشيروهم ويسمعوا منهم وينصحوالهم.
6. استباحة أعراض الناس فكثير من السياسيين يستبيح أعراض الناس ، وخصوصا الخصوم ، ولا يتورع عن الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء وإفشاء السر ، وغير ذلك من المحرمات ، وقد ذكر الغزالي في إحياء علوم الدين الأعذار الستة المرخِّصة في الغيبة وتناقلها العلماء عنه وهي : التظلم ، والاستعانة على تغيير المنكر ، والاستفتاء ، وتحذير المسلم من الشر، والتعريف كالأعرج والأعمش ، والمجاهرة بالفسق .وماعدا هذه الأمور فالغيبة محرمة وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « أتدرون ما المفلس ». قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال « إن المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتى قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيُعطَى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخِذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار ».
7. الخروج على حدود الشرع في العلاقة بين الرجال والنساء فمن سيئات العمل السياسي أنه يسود فيه في كثير من الأحيان التهاونُ بالحدود الشرعيةِ في علاقات الجنسين فهناك حرص شديد على أن تُوجَد المرأةُ في مُـخْتلَف اللجان وفي مختلَف المواقع حتى ولو كانت فريدةً يتيمةً عديمة الشكل تنشد قول الشاعر :
أصبحت فيهم عديمَ الشكل منفردا كبيت حسان في ديوان سحنون
وكأنَّ الاختلاط بين الجنسين في مختلَف التجمعات السياسية شهادةُ حسن سيرة وسلوك يُقَدِّمها الساسة للغربيين . وإذا كان من مقاصد الشريعة سدُّ الذرائع إلى الفتنة ومنع ُكل ما يؤدى إليها إذ الشريعة تـُحَرِّم التبرج والخلوةَ والخضوعَ في القول والخوضَ في المنكر ،وإذا كان الشرع يحرص على الفصل بين الجنسين حتى في المسجد وقت الصلاة " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ." رواه مسلم . فإن من مقاصد الكفار الخروجَ على حدود الله في علاقات الجنسين ووجودَ الاختلاط قي المدارس والجامعات ،والاجتماعاتِ والمهرجاناتِ ، وشيوعَ التبرج وتكثيرَ سواد الكاسيات العاريات ، ومحاربةَ الحياء تلك الصفة التي جاءت في كتاب الله مدحا لابنة شيخ مدين (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء )ثم قالت في كلمات موجزة ليس فيها فضول ولكنها تبلِّغ الرسالة بوضوح (قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا )
إن العلاقةَ بين الجنسين في كثير من التجمعات السياسية تُـحَقق مقاصد الكفار في هذا المجال أكثرَ من تحقيقها لمقاصد الشريعة .وتلك سيئة من سيئات العمل السياسي .
8. البيئة الملوثة من سيئات العمل السياسي أن بيئة العمل السياسي المعاصر في كثير من الأحيان بـِـــــــيئةٌ مُلَوَّثــــةٌ بالغش والخداع والكذب والمكر والكيد ، والإيقاع بالخصوم ،والشماتة بالمنافسين ، وتلمُّس العيب للبرآء ، وتمني زوال النعمة عن الآخرين ، والإعجابِ بالنفس ، واستصغارِ الآخرين . وهذا يذكِّرني بما لاحظه ابن خلدون في المقدمة من أن من خالط شــــِرارَ الباعة أهلِ الغش والخِلابة والخديعة ، والفجور في الأيمان على البياعات والأثمان ، إقرارا وإنكارا ، فلا بد أن يؤثِّـــــرَ ذلك على أخلاقه ، " لأن الأفعالَ لا بد من عَوْد آثارها على النفس ، فأفعالُ الخير تعــود بآثار الخير والذكاء ، وأفعالُ الشر و السفسفة تعود بضد ذلك ، فتتمكن وتترسخ إن سبَقت وتكــــررت ، وتنقُضُ خلالَ الخيرِ إن تأخرت عنها بما ينطبع من آثارها المذمومةِ في النفس . "
وهذا وسط مُمْرض ، من الصعب أن تنبت فيه أخلاق الحب والإيثار ، والتراحم والتعاطف ، ومن الصعب أن يُخرِّج رعاةً رحُماء أهل رفق وشفقة .والذين يعيشون في هذه البيئة بحاجة إلى أن يصطحبوا معهم (أوكسجينا ) للتنفس كما يفعل رواد الفضاء .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك