تمتلئ صفحات التاريخ بسير العظماء والفاتحين والشعراء والفلاسفة والعلماء، وحتى لاعبي كرة القدم، الكل وجد متسعا في هذا السجل، بعدما تصدر المشهد وحيدا، كالبدر يتلألأ بين نجوم السماء..
من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، صلاح الدين، وابن الوليد، ونابليون بونابارت، وعمر المختار، والجنرال ديغول، وابن سيناء،
وهتلر، وابن رشد، والمتنبي، والماهتماغاندي، والكواكبي، وابن كثير، ورومل، وجمال عبد الناصر، وصدام حسين، والإمام الخميني، والقذافي، وبنبلا، ونيكروما، واتشغيفارا.... إلخ
***
في الفكر السياسي المعاصر السائد حاليا لا يوجد تعريف دقيق للقائد، بل ولا توجد مرادفة لهذه الكلمة أصلا، ربما لأن من وضعوا الدساتير، حاولوا صياغة مفهوم جديد لنظام الحكم يرتكز على التناوب "السلمي" على السلطة عبر صناديق الاقتراع، وهو نظام له حسناته الكثيرة دون شك، لكنه من ناحية أخرى يتجاهل الواقع، ويحاول تعميم النموذج القالب على مجتمعات وأمم مختلفة، ثقافة، وحضارة، وسلوكا، ومقاسات، الشيئ الذي أنتج منظومة "ديمقراطية" خديجة في العالم النامي على الأقل..
***
ولأن قوانين الطبيعة أقوى وهي التي تتحكم في النهاية في توجيه دفة القارب، فقد حدثت استثناءات كبيرة في مختلف أنحاء العالم، نجمت عنها ثورات اقتصادية واجتماعية وسياسية، كان لها الأثر الكبير في إعادة رسم ملامح المشهد إقليميا ودوليا حتى. وحققت نجاحات كبيرة على مختلف الصعد.
ويحتفظ التاريخ القريب بما حققه العسكريون في فرنسا والبرتغال وإيطاليا وحتى في أمريكا نفسها، وفي النصف الشرقي من الكوكب برزت الصين وروسيا كقوتين عظيمتين، بفضل الأنظمة العسكرية "الشمولية" جدا..
وقس على ذلك واقع العراق وليبيا ومصر وسوريا في عهد أصحاب النياشين والأحذية الخشنة، مع بعض الفوارق..
***
ليست موريتانيا استثناء مما هو موجود وإن حافظت في عهدها الحالي على ديمقراطية تؤمن بالاختلاف، وتضمن للجميع حقوقهم السياسية، وحرياتهم الفردية والجماعية، وهو مشهد نادر الحدوث في الوطن العربي..
لا نجانب الواقع إذا قلنا إن النظام الحاكم في نواكشوط جاء بانقلاب عسكري صبيحة الـ06 من أغسطس 2008، لكنه انقلاب قاد ثورة على كل المستويات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ومكن البلاد في ظرف وجيز من السيطرة على مواردها الاقتصادية وامتلاك زمام المبادرة واستقلالية القرار، الذي تتجسد أبرز شواهده في طرد السفير الصهيوني لأول مرة من عاصمة عربية، واستضافة القمتين العربية والإفريقية لأول مرة ايضا، والحضور الإقليمي المتعاظم في القارة بعد تأسيس وقيادة مجموعة الساحل الخمس.. والقائمة طويلة وطويلة..
نتوقف اليوم مع ذكرى الـ06 أغسطس ونحن أكثر قناعة بأن الديمقراطية وسيلة وليست غاية، وأن أبطال التاريخ هم أفراد يضحون من أجل قضايا، وإن القائد يولد قائدا، لا تأتي به صناديق الإقتراع، ولايرث هذه الصفة، ولا يورّثها إن أراد..
وإلى سجل الخالدين سيضيف التاريخ اسم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وستذكر الأجيال اللاحقة أن عظيما مر من هنا ذات يوم..