وللفساد بقية / أحمد أبو المعالي

altلقد أصبح الحديث عن الفساد هذه الفترة حديث الصالونات والإعلام ..بعد أن أعلنت السلطات العليا تبني ذلك الخطاب .. وكثر اللغط والقيل والقال في هذا السياق ..ومع أنه لا يمكن الحديث في هذا السياق دون الإشادة ببعض اللمسات التي جرت في هذا الصدد والمتمثلة في تجريد بعض المفسدين من وظائفهم علنا ..لكن تلك المحاربة المعلنة ما زالت توازيها عمليات فساد لا تقل خطورة عن الفساد المحارب ومنها :

- أن هناك رموز فساد ما زلوا محل ثقة النظام وما زالوا يحتلون الصدارة في السلطات المتنفذة ..ويطرح تجاهلهم وغض الطرف عنهم أسئلة حيرى لم تلق بعد إجابة شافية ..كما أن الذين جردوا من مناصبهم لم يمسسهم بعد ذلك سوء ولم يلقوا كيدا ..مع أنه من المفترض أن يقدموا للمحاكمة حتى يتبين للرأي العام الخيط الأبيض من الأسود....
- من تجليات الفساد التي أهلكت حرث هذه البلاد ونسلها ذلك التزلف المخجل الذي تتبارى فيه مجموعة من النخبة والمسؤولين حيث تكتظ بهم ستيديوهات التلفزة وردهات الإذاعة في مشاهد تعيد سيرة الأنظمة السابقة حذوك النعل بالنعل والقذة بالقذة ..فقد تحولت برامج الإعلام الرسمي إلى حلقات مملة لشرح مضامين خطابات الرئيس واعتباره بداية مرحلة جديدة .تذكرنا بمرحلة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ....فما أشبة الليلة بالبارحة .
يتحدث الرئيس عن الدراعة وعيوبها فتصبح أداة نحس وعامل إعاقة ومصدر كل بلاء ..ويتحدث الرئيس عن محاربة السمنة ..فإذا بها سبب كل الأزمات التي حلت بالبلد .وتصبح الرشاقة عامل بناء !!
.ويتحدث الرئيس عن الأمية ..فيلعنها المثقفون والساسة مع اللاعنين ..ويدعو الرئيس لحملة للكتاب فتنهال السجالات حول أهمية الخل الوفي الذي يقدم لك الفوائد دون أن يطلب منك تعويضا ...ويغضب الرئيس من بعض العلماء والدعاة .فإذا بهم ليسوا محل ثقة لا سلف لهم إلا الخوارج والمحاربون يسعون في الأرض فساد ..والقانون فوق الجميع ....والقائمة حبلى ..
واليوم بدأأولئك الإعلاميون والساسة والذين كانوا يعزفون نفس السيمفونيات بتقديم مزيد من الوعظ والإرشاد حول خطورة التزلف وخطورة ا لفساد على الدولة ومؤسساتها..ولا يتورع أولئك "لمفسدون" من إعلان حرب لاهوادة فيها على الأنظمة التي كانوا جزءا منها ..ولا يجدون حرجا من تعداد مظاهر الفساد التي كانوا أساطينها وحماتها والوالغين فيها !!
من تجليات الفساد الخطيرة ذلك الاختزال الخطير لمسيرة الدولة واعتبارها كانت شبه معدومة .وأن الدولة بعد التأسيس لم تعرف نسمة عليلة ..ولا بسمة سعيدة غير هذا النظام ..وقد تجلى ذلك واضحا في البرنامج الذي بثه التلفزيون الرسمي وقدم عرضا لمجريات الأحداث التي رافقت الاستقلال.. ثم بدأ المعلق يسرد سلبيات متلاحقة بدء من الجفاف وحرب الصحراء مرورا بالانقلابات...ثم اختزل التاريخ من تلك الحقبة إلى انتخابات الثامن عشر يوليو الماضي ..وكأن الفترة التي سبقت هذا التاريخ ليست من تاريخ هذا البلد مهما كانت ..ونسي معدو البرنامج ومقدموه أنهم كانوا يختزلون تاريخ هذا البلد في الأنظمة السابقة ..ويختصرون فيه تكوين الدولة ..وهاهم اليوم يمرون عليه مرور كرام لا يوفون بالعهد ولا يرعون لأي نظام إلا ولا ذمة..وغد ا إن حانت الفرصة سيلعبون ذات الدور ..
إن من أولويات الحرب على الفساد محاربة هذا السلوك المشين وتحريم بل وتجريم مثل هذا النوع..أما أن يقوم النظام المحارب للفساد بتزكية أولئك ومجازاتهم بالتعيين ..والسماح ببث مثل هذا النوع من اللقاءات التي لا تخدم المصلحة العامة .ولا تساهم في محاربة الفساد بقدر ما تعززه من زاوية من زواياه التزلفية فذلك ردم للنار بالنار
- ومن تجليات الفساد المتبقية والمدعومة من النظام تحجيم دور وسائل الإعلام الرسمية واختزالها في نشاطات الرئيس والمسؤولين... وسياسية التكتم على غير ذلك من الأنباء ..ومن شبه النكت في هذا السياق إحجام وسائل الإعلام الرسمية عن الحديث عن أزمة المختطفين الأسبان مع أنها تصدرت عناوين النشرات في الكثير من المحطات العالمية ..وكأنهم بذلك يريدون إخفاء الأمر على الرأي العام وعدم إثارته بأخبار غير حميدة ..وهم بذلك كمن يرفض إيقاد شمعة في مدينة مضاءة حتى لايرى أحد ملامحه
- قولا للحق .. لقد تحسن أداء الإعلام الرسمي بشكل ملحوظ خلال فترة حكم المجلس العسكري وفترة حكم الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ..ووجد المواطنون بمختلف شرائحهم ومستوياتهم والساسة بمختلف اتجاهاتهم وأفكارهم فرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم بحرية مطلقة ..وهي خطوة ثمنها المعنيون وأشادوا بها..لكن ذلك التحول لم يلبث أن خلد إلى الأرض واتبع هوى النظام منذ الانقلاب الذي أطاح بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وحتى كتابة هذه السطور
- هذه نماذج من بقايا الفساد التي مازالت جاثمة هنا ..وما لم تزل هذه السوكيات لن يفلح أي نظام في محاربة الفساد مهما دبج من خطابات ومهما عقد مريدوه من طاولات على مختلف الأشكال والألوان 

7. ديسمبر 2009 - 12:46

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا