"الإنسان" يقرأ من عنوانه / محمد ولد سيدنا عمر

حدثني أحد أقربائي الذين كان يعملون في ليبيا في السبعينيات ضمن ما عرف وقتها بـ"موسم الهجرة الموريتاني" للبحث عن العمل أن أحد الإخوة الليبيين كان مكلفا بإعداد لائحة بأسماء الموريتانيين  لإحدى الشركات المشغلة في مجال التنقيب عن النفط ، فكانت أسماؤهم:(أبوه، دده، اخيارهم، باباه، محنض، الشين، شكرود، لحبوس، النقرة، إسلمو لخوات، لحرش...)

احترقت أعصاب الليبي وهو يكتب تلك الأسماء الغريبة، صرخ في وجوه القوم قائلا: "والله إن كانت بلادكم تعاني أزمة اقتصادية فإنها تعاني كذلك أزمة في الأسماء.."
استحثتني تلك القصة الطريفة التي بقيت عالقة في الذهن على أن لا تكون أسماء أولادي في المستقبل ضحية للغرابة والسذاجة في مجتمع "الأسماء المتغيرة " للفرد الواحد.
سنوات بعد ذلك من الله علي بحياة اجتماعية ناجحة، وزرقت أبناء كان لي الشرف أن أمنحهم أسماء جميلة يفخرون بها في مجتمعهم وتحمل لهم من الفأل الحسن ما يساعدهم في صعوبات الحياة.

في العام (2006) أنجبت أول أبنائي وأسميته "شمس الدين" وهو اسم لعلامة معروف يشتهر بـ "ابن القيم" صادف أن  قرأت بعض مؤلفاته فأعجبتني غزارة علمه ومنهجه في البحث والتأليف.
تجاوز "شمس الدين" حاليا إلى الصف الثاني إعدادي وهو متفوق في المواد العلمية والأدبية، ويمتلك موهبة في الخط العربي وإلقاء الشعر.
عندما أتخيل "الشمس" ترسل أشعتها الدافئة على مختلف القارات، والجزر الضائعة في المحيطات وأرى سكانها يدخلون في دين الله أفواجا، أدرك كم هو جميل ومناسب هذا الاسم.
خمس سنوات بعد ذلك رزقت بنتا أسميتها" شيماء" ومعناه ـ كما ورد في المعاجم ـ ذات الشيم، والشيم هي الخصال الحميدة.
من أشهر من تسمى به " الشيماء بنت الحارث السعدية" وهي أخت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الرضاعة.
أغراني محرك البحث "غوغل"وأنا أتصفحه بحثا عن هذا الاسم بما تحمله الموسومة به من صفات البر والنجاح  وحسن "السعد"  في زمن "العنوسة " المعلبة ببهرج  الماديات وسطوة  رقابة المجتمع.
ذات ليلة صيفية حارة مليئة بالبعوض في مستشفى الأمومة والطفولة وصلني خبر مفاده أن زوجتي أنجبت بنتا، كدت أطير فرحا بالخبر السعيد، لست من الجاهليين الذين يفضلون الأولاد ويسْوَدُ وجه الواحد منهم إذا بشر بالأنثى!ٍ
بعد أيام من الغبطة والسرور بالضيفة الجديدة بدأت عملية البحث عن اسم مناسب..وقع اختياري على "شهيدة" ومعناه من تجود بنفسها في سبيل الله،أو من تضحي دفاعا عن الوطن..وليس منا من لا يعرف قيمة الشهادة وفضائها .
يقولون للمسمى  حظ من اسمه وفي الأثر تفاءلوا الخير تجدوه ...فعلينا جميعا أن نجعل أبناءنا يفخرون بأسمائهم وأن نحرص على أن تشمل الفأل الحسن .
ويجب أن لا ننسى أن "الإنسان" مثل الكتاب يقرأ من عنوانه، أنه من السهل أن يغير الإنسان أثاث بيته، ووظيفته، وطموحاته، حتى الشكل الخارجي يمكن تغييره عن طريق عمليات التجميل، وحده الاسم يبقى عصيا على التغيير والتعديل.
سجلات التاريخ تقول ذلك فكثيرا ما نرى في كتب الأولين كان اسمه  (كذا) ثم غيره إلى (كذا).
يذكر "ابن القيم" ـ رحمه الله ـ أن الاسم الحسن يحمل صاحبه على فعل المحمود وترك المذموم وذلك حياء من اسمه.
..ختاما أسأل الله أن يمنحكم أبناءا صالحين وأن يوفقكم لاختيار أسماء حسنة لهم، وأن يمن علينا بمزيد من حرف "الشين"  إنه ولي ذلك والقادر عليه.
 

5. سبتمبر 2018 - 13:58

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا