يمكن اعتبار هذا النظام هو أكثر الأنظمة التي تعاقبت على أديم هذه الأرض قدرة على الكذب، وتزوير الشعارات، واللعب بعقول المواطنين وقناعاتهم؛ فمن "رئيس الفقراء" إلى "محاربة الفساد" مرورا ب"رئيس العمل الإسلامي" إلى غير ذلك من العبارات الكبيرة والشعارات الرنانة التي اجترحها هذا النظام دون أن يكلف نفسه عناء تحققها على أرض الواقع ولو بنسبة مئوية ضئيلة
ولننزل إلى الميدان وننظر إلى هذه الشعارات واحدا واحدا؛ لنعرف إلى أي مدى قرر هذا النظام بقصد أو بغير قصد أن يكون نظام الكلمات الفارغة والشعارات الجوفاء بامتياز!
1 – "رئيس الفقراء"، يحق للمرء أن يتساءل: ماذا قدمه "رئيس الفقراء" للفقراء بعد عشر سنوات من الكذب والزيف والوعود العرقوبية..؟ ماذا حققه "رئيس الفقراء" للفقراء بعد عشر سنوات من الكر والفر والجعجعة بلا طحين...؟
تحدثت إحدى القنوات العربية في تقرير لها عن الدول العشر الأفقر عالميا للعام 2018 وجاءت موريتانيا في الطليعة بمعدل 89 في المائة، ونشرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "ألفاو" تقريرها عن الأغذية والزراعة ولاحظ التقرير أن 71,3% من الموريتانيين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، حوالي 23,5% منهم يعيشون بأقل من 1,25 دولار يوميا، وهو أكثر المعدلات خطورة في منطقة شمال إفريقيا كما يقول التقرير
ولاحظ التقرير أيضا أن موريتانيا تعاني من ارتفاع ظاهرة نقصان الوزن عند الأطفال بنسبة 29,7% في الأرياف، و16,4% في المناطق الحضرية
إذا كانت هذه هي نتيجة "العمل الدؤوب" الذي قام به هذا النظام لصالح الفقراء من أجل القضاء على فقرهم أو التخفيف من وطأته على الأقل، وهي نتيجة عكسية كما هو واضح فأعتقد أن لسان الحال قبل لسان المقال يصيح به قائلا: أقلب اللعبة فلعل المعادلة تنقلب تبعا لذلك..
لا شك أن هذا النظام الحالي كان وبالا على الفقراء والأغنياء معا.. فقد أتى على الأخضر واليابس.. وأهلك الحرث والنسل.. وأكل اللحم ومص الدم... النظام الحالي – أيها السادة – لم يفقر – فقط – الأجيال المعاصرة، وإنما امتدت عملية الإفقار التي يقودها – بمهارة – حتى إلى "النطف التي لم تخلق"، ولم أقل ذلك من باب المجاراة للغة الشعر، وإنما للتعبير عن واقع خطير كان يجب على الجميع أن يندد به، وهو واقع ذهبنا الذي يخضع لعملية نهب منظم مقنن وغير مقنن يقوم به كيان أجنبي مسلح بأحدث المعدات وأنجعها في هذا المجال... إنها عملية إذا سكتت عنها الأجيال الحاضرة لأي سبب كان فلن تغفرها الأجيال القادمة ولن تسكت عنها
2 – "محاربة الفساد"، استهل الجنرال عزيز غداة "انتخابه" رئيسا خطابه منددا ب"الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد"، ويبدو أن هذا التنديد من عزيز كان مصدره الغيرة والحسد لا غير؛ لأن الرجل لم يكد يسوي جلسته على كرسي الحكم حتى سلك سبيل هؤلاء "الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد"
وإذا رجع الباحث إلى محركات البحث بالإنترنت أمكنه أن يجد الكثير من تقارير الشفافية التي تتحدث عن الفساد المستشري بأجهزة الدولة الموريتانية ومفاصلها؛ مما حدا بالعديد من المراقبين إلى الخشية من إفلاس موريتانيا
ومن هذه التقارير نشير إلى تقرير هيئة شيربا الدولية الذي تناول ملف الفساد في موريتانيا بشكل يبعث على القلق وعدم التفاؤل، يتصدر هذا التقرير بالقول: (في نيسان/ ابريل 2013، كتبت مؤسسة شيربا هذا التقرير وأرسلته إلى عدد من المانحين الدوليين لموريتانيا لزيادة وعيهم بحالة الفساد التي سادت هناك... وبعد أربع سنوات قامت شيربا بتحديث هذا التقرير بملاحظة واحدة: الوضع ازداد خطورة، وازداد النهب حتى مع مرور البلاد بفترة صعبة منذ انخفاض أسعار خام الحديد. وما زالت المجموعة ذاتها تواصل سرقة الموارد العامة.
ومع تزايد عدد الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لا سيما مع الشركات الأجنبية، تتكاثر صفقات الفساد الوهمية، وتؤدى الرشاوى، ويسود الفساد، وتبخر الموارد إلى درجة وأد أي احتمال حقيقي للتنمية الاجتماعية أو تحسين مناخ الأعمال. وتتبع موريتانيا حاليا مسارا مقلقا للغاية مع انخفاض حاد في سيادة القانون)
وفي ثنايا التقرير يتعرض الحديث عن الفساد إلى ملفات تفصيلية لا يتسع المقام لبسط الكلام عليها.. فلنكتفي بهذه الإشارة.. واللبيب تكفيه الإشارة كما يقال
3 – رئيس العمل الإسلامي، منذ نشأة الدولة الموريتانية الحديثة وهي تتسمى بالجمهورية الإسلامية الموريتانية؛ الشيء الذي يعكس تجذر الحس الإسلامي في الضمير الجمعي الوطني؛ مما يحتم تبعا لذلك على أي رئيس يقود البلاد أن يسعى في كل ما يساهم في ترسيخ الهوية الإسلامية وحمايتها، فماذا فعل عزيز في هذا السياق؟
كان النشيد الوطني السابق خير مترجم لهذا الحس الإسلامي ولهذه الهوية الإسلامية الضاربة في أعماق شعبنا المسلم السني المالكي فانقلب عزيز على هذا النشيد بمثل ما انقلب على الرئيس المنتخب، وجاء بنشيد بارد لا يعبر عن هوية إسلامية، ولا عمق تاريخي ولا...
تطاول شخص معتوه على خير البرية عليه الصلاة والسلام على أرض موريتانيا وها هو حرا طليقا بإرادة ومشيئة الجنرال عزيز!
استقدم الجنرال عزيز سفارة أجنبية إذا استمرت على هذه الأرض ستكون خطرا على وحدتنا وتماسكنا المذهبي...
هنا أدرك شهرزاد الصباح فكفت عن الكلام المباح.. أعترف بأن هذه الإثارة قد لا تخلو من بعض الإخلال.. فهذه النقاط الثلاث كل واحدة منها قد لا توافيها حقها إذا أفردت لها مقالا مستقلا فما بالك بفقرة من سطور مختصرة كهذه!
