من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام تحولت قبلة الصلاة والحج نحو بقعة مباركة لها جذور في التاريخ لتوجه أبصار المسلمين نحو مكة التي أضاء بها شعاع وحي جاء بكتاب غير متاح للتحريف الذي تعرضت له الأديان السماوية الأخرى.
الكتاب الجديد أنار البصائر ووجه الأبصار إلى منبع الوحي الذي جاء به نبي جديد جامع للفضائل ومعصوم من الرذائل
التي يدعوا إليها الشيطان،ما هيأ ذلك النبي ليكون قدوة للبشر في أقوالهم وأفعالهم.
بشر النبي المذكور بمبادئ مجردة تواتر عليها قبله الأنبياء،مثلت بنود الأمانة التي حمل الإنسان إلى الأرض وبررت وجوده فيها،وميزته عن المخلوقات الأخرى..وهي مبادئ كان القسم الدنيوي منها أخلاقيات تربط أواصر الجماعات البشرية في مدنية فاضلة.
تلك المبادئ هي مسلمات لولاها ولولا تطبيقها المثالي من قبل الأنبياء لمارس الفرد حريته بشكل سلبي وقال أنا أرفض الرضوخ لأي قواعد أو نظام لأنني حر..,ومن ثم ينظر إلى الحسن على أنه حسن من منظوره هو،وإلى القبيح على أنه قبيح من منظوره هو.وتكون نظرته إلى الحق والباطل في مثل ذلك.ولا تكون له قدوة بشرية نموذجية يتقاطع عندها مع الناس،ومن ثم يرفض الاحتكام إلى معيار الرجل العادي الذي يتوسط ما بين المثالي والشرير..وعندها تزول روابط المجتمع الأخلاقية التي بنيت عليها قوانين الدول.
وإذا تلاشى البعد الأخلاقي للقوانين على ذلك النحو تتعطل وسائل الدفاع الاجتماعي ضد الجريمة ،وتتجه الدولة إما إلى الدكتاتورية لعلها تعيد احترام القانون بالقوة،وإما إلى مزيد من الضعف والتسيب،ما يفتح المجال لسيادة قانون الغاب حيث الغلبة للأقوى..أي أن زوال المركزية الأخلاقية التي تقوم عليها القوانين يعني سيادة القوة بأنواعها المختلفة،وتعطيل العمل بالكتاب والميزان.
وبسيادة القوة يسود الظلم الذي يأخذ أشكالا مختلفة تفت في عضد التعاون الجماعي نحو التنمية،ويؤدي إلى تخاذل في مواجهة العدو..
الدفاع الاجتماعي ضد الجريمة يضعف هو الآخر بضعف الوازع الأخلاقي،وبالتدريج يتحول صغار المجرمين والظلمة سوسا ينخر الدولة ويؤثر عليها تأثيرا مماثلا لتأثير آفات زراعية عبثت بالمزرعة وتركتها قاعا صفصفا على حين غرة من راع عول على قوة السور الخارجي.
من هنا تظهر أهمية المسلمات الأخلاقية الجامعة للبشر،والتي جردتها أغلب دول عالم اليوم من بعدها الروحي،حين استلهمتها من سير الأنبياء ووظفتها كمحفز لتقدمها المادي،الذي لم يصاحبه تقدم روحي،ما يجعل تلك الدول عرضة للخراب.
وللأسف فإن تلك الدول بدأت في التراجع و النكوص لأنها سنت قوانين تنتهك الحدود الفاصلة بين الفضيلة والرذيلة متجاهلة الأساس الأخلاقي للقوانين.
الأساس الأخلاقي الذي يتم الاعتداء عليه اليوم،منه ما يحمي استمرار وجود الإنسان على الأرض،ومنه ما يتعلق بحماية حقوق الأجنة والأطفال وحقهم في الحياة،ومنها ما يتعلق بحماية حقوق الملكية وغيرها،وبزوال تلك الأسس حدث ولا حرج عن مستقبل الكارثة المتوقعة.
الأسس الأخلاقية التي نتحدث عنها مصدرها الأديان السماوية التي جاءت بمبادئ حقوق الإنسان،ونظمت من جملة ما نظمته سبل تكاثر البشر باعتباره أهم مجال حقوقي لتعلقه بالحق في الوجود،والحق في الحياة،والحق في النسب وغيرها...
ويمكن تقسيم البشر حسب سلوكهم في التكاثر إلى أنواع ثلاث:
ا- بشر فوق مستوى الحيوان في طريقة تكاثرهم اعتمدوا نظام الزواج واحترموا حقوق الأطفال والأمهات أثناء عملية التكاثر الطبيعي،كما احترموا سنن النظام لبيولوجي الطبيعي الذي يمنع التكاثر المثلي الشاذ..ب- بشر في مستوى الحيوان في عملية تكاثرهم ما داموا متمردين على نظم الزواج ويحترمون فقط النظام البيولوجي الذي يقضي بالتكاثر بين الذكور والإناث،وبذلك تركوا الأجنة والأطفال عرضة لجميع الاحتمالات السيئة..ج- أما الصنف الأخير فهو بشر تكاثرهم مثلي شاذ تجاوز حدود التمرد على نظام الزواج بين الذكور الإناث إلى التمرد على النظام البيولوجي الحيواني الذي جعله الله سنة التكاثر على الأرض..وإذا ساد النمط الأخير انتهى وجود الإنسان على الأرض.
الدول التي تخلصت من المرجعية الأخلاقية الدينية لم يعد مجتمعها أو قانونها موجه بقيم القبلتين التي تقوم على اعتبار الشيطان مصدرا للشر،بينما مصدر الخير هو الأديان السماوية نفسها التي حددت القبلتين موجها نحو القيم الرفيعة.
أدى ذلك إلى تفشي نزعات التفرد والتعصب للخصوصيات والأذواق في تلك الدول ،وتحول مبدأ المساواة بين أفرادها مشكلة تهدد القوانين بعد أن كان حلا سحريا لكل المعضلات.
أغلب الساسة في تلك الدول لا يرون الكعبة المشرفة مربط فرس حقوقي،وقد لا يرون القدس الشريف كذلك،وفي سبيل التاج يوظفون وقتهم في إعداد أوراق انتخابية تنتهك المعايير الأخلاقية.
ولما كان الإنسان لا بد له من ميزان أخلاقي يزن تصرفاته فإن الأديان السماوية طلبت منه التسليم بمسلمات تكون أساس تعامله مع مستجدات الحياة حتى لا يتحول وحشا يفترس من لا يوافق هواه أو يقف في وجه إشباعه لرغبة من رغباته الشخصية.
وهذه المسلمات هي : ا- التسليم بوجود خالق خلق الإنسان والكون،وأن هذا الخالق ليس له شريك ولا مثيل،وهو مرتفع عن مستوى مخلوقاته.
ب-التسليم بوجود رجال أرسلهم الخالق برسالة تتضمن أوامر ونواهي واجب إتباعها.وهؤلاء ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم،وليسوا مثل بقية الرجال لأنهم جمعوا جميع الفضائل وعصموا من الرذائل ليكونوا قدوة.وأنه توجه إلى هديهم قبلة دائمة تقف ندا لمركز الشر والرذيلة الشيطاني.
ج- التسليم بوجود الشيطان العدو الأزلي المتربص،وهو شيخ يدعو إلى الرذيلة يوسوس في صدور الناس كي لا يهتدوا إلى الحق،أو يصدهم عن سبيل الله.
وهذه المبادئ لخصها مفتاح دخول الإسلام : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله..فاعتبروا يا ألي الأبصار !!!