متى يستقيم الظل والعود أعوج؟! / الشيخ ولد باباه اليدالي

 أيهما الظل وأيهما العود؟ الراعي أم الرعية؟ الشعب أم النظام؟ هناك مقولة شائعة في الفكر السياسي ترى بأن أي نظام هو – في حقيقة الأمر – إفراز لشعبه بما أنه منبثق عنه، وإذا رجعنا إلى النصوص الشرعية لا يعوزنا منها ما يعزز هذه الفرضية، ففي القرآن الكريم آية تقول: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الرعد، الآية: 11)، وفي الحديث الشريف أثر يقول: (كما تكونوا يولى عليكم) أخرجه الديلمي

غير أننا نجد – أيضا في الجانب الآخر – أثرا آخر يقول: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) (مجموع الفتاوى لابن تيمية)، ولا يهمنا – هنا – أن نذهب بعيدا مع هذه الجدلية؛ إذ ربما يكون ذلك نشاطا فلسفيا يبعدنا مما نروم إزجاءه لأخينا القارئ الكريم الذي نحترم له انشغاله ونفوره من الثرثرة و"الجدل البيزنطي" الذي لا طائل من ورائه
دعونا – إذن – نسلم جدلا بأن العود هو الراعي والظل هو الرعية، أو – بعبارة تروق لقراء اليوم – العود هو النظام والظل هو الشعب، وحسب المقولة التي أحببنا أن تكون عنوانا لهذه العجالة – وهي بالمناسبة مقتطعة من بيت شعري قديم – حسب هذه المقولة فإن اعوجاج العود (النظام) مقدمة مسلم بها حسب تعبير المناطقة، أما اعوجاج الظل (الشعب) فهو نتيجة مترتبة على المقدمة وناشئة عنها (اسمحوا لي في هذه الصياغة المنطقية التي لا تخلو من خشونة)
يمكن – إذن – إعادة صياغة المقولة وفق الآتي: عود أعوج ينتج ظلا أعوج، ومن ثم تؤول صياغتها "الصرفية" إلى التالي: النظام الأعوج = الفاسد ينتج شعبا أعوج = ملتاث فكريا ومنحرف سلوكيا وأخلاقيا
وإذا نزلنا إلى أرض الواقع؛ أرض المنارة والرباط، وأرض المليون شاعر، وأرض المليون سياسي، وأرض المليون مترشح... باختصار أرض المليونيات التي لا تحمل بركة واحد!... إذا نزلنا إلى هذه الأرض وجدنا تجليات "العود الأعوج" واضحة، ولعلنا قد تحدثنا عن بعض مظاهرها في كلمتين سابقتين؛ إحداهما بعنوان: (العشرية العجفاء) والأخرى باسم: (عندما تكون الديمقراطية مهزلة)، ولا نريد – بطبيعة الحال – أن نكرر هنا ما قلناه هناك، وإنما نريد أن نواصل الضرب على هذا العود الأعوج حتى يستقيم أو ينكسر...
كثيرا ما أسائل نفسي لدرجة اعتصار الذاكرة في سبيل العثور على حسنة واحدة لنظام ولد عبد العزيز، ولكن بدون جدوى؛ فهذا النظام جاء إلى هذه الأرض وهي عبارة عن صندوق ممتلئ بالمآسي والمشاكل... وهاهو ينهي عقده الأول والصندوق لا يزال يزدحم بالمآسي والمشاكل العالقة إلى أجل غير مسمى
جاء هذا النظام إلى هذه البلاد وهي تعاني من فساد مزمن أتى على الأخضر واليابس... ولا تزال تعاني من ويلات هذا الفساد، وتغرق في أمواجه، وتكتوي بناره...، وقد عرضنا طرفا من ذلك بشكل موثق في مقال سابق
جاء هذا النظام إلى هذه البلاد وهي تعاني من التخلف والفقر وانعدام الحد الأدنى الذي يتطلبه العيش الكريم... ولا تزال تعاني من هذا المرض، وتصيح - وهي تتوارى خلف أمواجه -: إني أغرق... أغرق... أغرق... (نسبة الفقر في موريتانيا حسب إحصائية حديثة بلغت 89%)
جاء هذا النظام إلى هذه البلاد وهي تعاني من بطالة مستشرية تؤثر على النفسيات، وتعكر الأمزجة، وتشل الإرادات... ولا يزال سيلها جارفا إلى يومنا هذا، وبعيدا عن التجاذبات والادعاءات السياسية فإن تقارير علمية تفيد "أن نسبة البطالة بين حملة الشهادات في موريتانيا تصل إلى 35%، وهو رقم قياسي"
جاء هذا النظام إلى هذه البلاد وهي تعاني من أمية مطبقة، ولا تزال هذه المعاناة جارية، ففي تقرير نشرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 2014 أن نسبة الأمية في موريتانيا تقدر بحوالي 42%، وهو ما يزيد على ضعف نسبة الأمية في الوطن العربي والتي قدرت بحوالي 20% في نفس العام (عن التقرير بتصرف)
جاء هذا النظام إلى هذه البلاد والمنظومة التعليمية مهترئة ولا تزال مهترئة كما كانت، فالتعليم النظامي مشلول، والتعليم الحر تحكمه الزبونية، والجشع، وغياب الرقيب ولعل نسب النجاح المتدنية في الامتحانات المفصلية الأخيرة توضح ذلك بجلاء، وخاصة في الباكلوريا؛ حيث كانت نسبة الرسوب كبيرة، وكانت حصة التعليم النظامي من الناجحين هي الأهزل والأضعف...
إضافة إلى ذلك يمكن أن يقال بأن المقرر الأخير المنظم للمشاركة في الباكلوريا يعتبر كارثة على الشباب، وهروبا إلى الأمام في حل مشكل البطالة...
جاء هذا النظام إلى هذه البلاد والخدمات الصحية متدهورة، والبنى التحتية غائبة ولا يزال الأمر على ما كان عليه... لم يحدث أي تغيير... اللهم إلا إلى الأسوأ
باختصار – أعزائي عزيزاتي – فإن هذا النظام لم يحل أي مشكلة من المشاكل التي كانت مطروحة على البلاد...؛ فهل يستحق منا – والحالة هذه – أن نساهم في إدامته من خلال تصويت نحن مسؤولون عنه أمام الله؟
  : 

26. أغسطس 2018 - 11:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا