هبط الكثير من متابعي نتائج الانتخابات على الواقع الافتراضي، بمستويات التحليل، وأوغلوا في السخرية والشتيمة، وفي الهمز واللمز، وهم يتناولون ولوج الناشط الحقوقي برام ولد اداه ولد اعبيدي، إلى البرلمان، بأصوات الناخبين الموريتانيين؛ ولقد نأى هؤلاء كثيرا، في ذلك، عن مسالك الحكمة والأدب والأخلاق! فتطلب الأمر حديثا هادئا، ينصف الرجل ورهطه،
ويؤسس لعلاقة ود بين فئات المجتمع، لا تقوم بالضرورة على تطابق وجهات النظر؛ فالخلاف في الراي لا ينبغي أن يفسد الود القائم، بالفعل أو بالقوة.
الناشط برام ولد اداه ولد اعبيدي، كما أعرفه، رجل ينافح عن حقه وحق بني جلدته من ضحايا الاستعباد والنخاسة الذين عرفهما مجتمعنا، في أبشع صورهما، وهو شيء من حقه، أنشأ له مبادرة تحررية، التف حولها جمهور عريض ممن يرى رأيه، ويسعى سعيه؛ لكنه منع الترخيص لها، فاستحدث لها جناحا سياسيا، في مشروع حزب وطني، فمنع الترخيص له أيضا؛ فلم يجد ورهطه بدا من أن يمارسوا حقهم وواجبهم خارج الأطر القانونية، ويدفعوا الثمن سجنا ومطاردة ومحاكمات لم تزدهم إلا ترسخا في الفئات المحرومة المظلومة.
ذلك الوضع غير الطبيعي اضطر معه برام ومن يلف لفه، إلى الارتماء في أحضان المنظمات الحقوقية الغربية؛ وهي بطبيعة الحال غربية صرفة، لغيبة هم الحقوق وحديثها ومنظماتها، كليا أو جزئيا، عن خارطة العرب والمسلمين الحالية، بكل امتداداتها. وقد أغدقت عليه تلك المنظمات والهيئات الجوائز، مادية ومعنوية، واستلت سيفها للدفاع عنهن ضد مظالم قومه؛ ففرض نفسه رقما وطنيا لا يمكن تجاوزه، فهو ورهطه، في قلب الحدث الوطني، شاء من شاء، وأبى من أبى.
حصد برام في انتخابات رئاسية مشهودة، تقدم لها بشروطها، نسبة 8% من أصوات الشعب الموريتاني، أضاف بأصواتهم لقبا جديدا إلى ألقابه النضالية، هو لقب: مرشح الرئاسة السابق. اليوم التفت برام ولد اداه ولد اعبيدي، وهو مواطن موريتاني، يتمتع بحقوقه السياسية، وقد منع حقه في تشكيل حزب سياسي، التفا إلى علاج آخر، لولوج البرلمان، فانتسب مع جناحه السياسي إلى حزب قائم، حملته شعبيته من خلاله إلى قبة البرلمان، طبقا للقانون والدستور؛ فما ذا تنقمون عليه؟
سيقولون لك إن الرجل عمد إلى إحراق بعض كتب التراث الفقهي، في مهرجان عام، وفي رابعة النهار، وأن ذلك جريمة في حق الدين والمجتمع؛ قل لهم إن تلك المحرقة كانت استفزازا، نفذ احتجاجا على استمرار المستعبدين السابقين في تلقين نشئهم قوانين العبودية البشعة في المجتمعات المنقرضة؛ وقد سبقه إليها المرابطون، ومالكية الأندلس، ثم الموحدون، وكانت كل تلك المحارق مجرد احتجاج على وجود ما يخالف مالوف أو اختيار اهل السلطان.
ذلك هو الزعيم بيرام، رجل مسلم موريتاني، له قضية، نذر نفسه لها؛ قد نوافقه، وقد نخالفه، لكنه يظل واحدا منا، له ما لنا، وعليه ما علينا؛ فاربعوا على أنفسكم، وتواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، وإياكم والكبر، فإن الله لا يحب المستكبرين؛ وقد فسر صلى الله عليه وسلم الكبر بأنه بطر الحق وغمط الناس.