أثبتت أوسع انتخابات وطنية ، تجري في موريتانيا منذ 28نوفمبر 1960 م، أن موريتانيا لم تعد ملكا مشاعا لحزب واحد، ولا شماعة لنخبة مؤدلجة، ولا لعبة بين تكنوقراطيين، يرمقون بأعينهم، وينتجعون بأوداجهم ، حيث ما أمطرت السلطة ، وأينما أينعت الثروة والمكس.
نجح الرئيس محمد ولد عبد العزيز في تحديد البوصلة ،
ونجح فى توحيد خطاب المرحلة، وكان شده للحبل حاسما في نزال 1 سبتمبر 2018م.
لم تساعده آلية حزبية منظمة، ولم ترافقه وسائل إعلام خدمة عمومية مهنية، ولم يقدم له سائس الحكومة غير سياسة النأي بالنفس وترشيح الأقارب ؟
خاطب الرئيس أبنائه بتجرد، وجنوده بيقين، وناخبيه مباشرة دون واسطة ، فلبوا ندائه.
أتى كل على رسله، واجتمعوا على التصويت لخياراته في معمعان هذه المعركة .
قدم اقتراع 1 سبتمبر 2018م، رسائل مجملة وغير مشفرة ، تحتاج إلى الدراسة المستعجلة والتمحيص الحازم ، من قبل كل من دوائر القرار في السلطة ، و قيادات أحزاب المعارضة، لعل من أهم هذه الرسائل:
1- هذه الانتخابات غير مسبوقة، في أعداد وصنوف المشاركين فيها، وصلت نسبة المشاركة فيها إلى نسبة معلومة ومناسبة هي (73.44 بالمائة).
2- بلغ مجمل المصوتين في هذا الاقتراع مليونا وواحدا وأربعين ألفا ومائة وتسعة وتسعين ناخبا 1.041.199 من أصل 1.417.823مليون وأربعمائة وسبعة عشر ألفا وثمانمائة وثلاثة عشر مسجلا .. وهو ما يعني أن 376.624ثلاثة مائة وستة وسبعين ألفا وست مائة وأربعة وعشرين مسجلا على اللائحة الانتخابية ، لم يتمكن من التصويت لسبب من الأسباب.
3- عند تحليل الأرقام حل المصوتون للبلديات في ألمرتبة الأولى حيث صوت تسع مائة ألف و واحد و تسع مائة وتسعة وسبعون901.979 ناخبا ، وحلت النيابيات في المرتبة الثانية ثمان مائة وثمان وثلاثون ألفا وخمسمائة وثمانية عشر 838.518 مصوتا ، وحلت الجهويات في المرتبة الثالثة حيث بلغ المصوتون800.379 ثمان مائة ألف وثلاث مائة وتسعة وسبعون ناخبا، وهو مايعني وجود فارق تصويت تجاوز مئة ألف ناخب مابين البلديات والجهويات {101.600تحديدا}.
4- كان عدد الأصوات اللاغية كبيرا في التصويت على اللائحة الوطنية حيث وصل 321.682ثلاث مائة و واحدا وعشرين ألفا وستة مائة واثنين وثمانين مصوتا، وهو ما يعني أن منسوب التسرب في الأصوات كان كبيرا .، مقارنة مع المصوتين للبلديات والجهويات المحلية.
5- سقطت رهانات بعض المصفقين، الذين كانوا يروجون من أجل استمرار استفادتهم من مناصب ومزايا السلطة والحزب، بأن هذه الولاية أو تلك، محتكرة من قبل طيف من أطياف المعارضة.
لقد بين السكان للنظام الحاكم، أنهم إن أرادوا وقد فعلوا ، أسقطوا حزب تكتل القوى الديمقراطية في اترارزة، و كذلك فعلها الجمهوريون بحزب حاتم في الحوض الغربي، وبحزب اتحاد قوى التقدم في تگانت ، وبالأحزاب المنافسة للحزب الحاكم في عاصمة ولاية آدرار .
فعل السكان ذلك نكاية فيمن قطع أرحامهم من ذوي القربى ، وتلبية خالصة ممحصة لنداء الرئيس .
6- لأول مرة يمرغ جبين، ساسة المهجر الذين حاولوا توطين (المهاجرين المصوتين)، في الحوض الشرقي، والحوض الغربي ، وگيدي ماغة ، وداخلت انواذيبُ .
وفي العاصمة انواكشوط، كانت رسائل الناخبين واضحة ، وضوحها في أعماق البلد والخزان الانتخابي الأكبر .
قد فضل سكان 108 مائة وثماني دوائر بلديات، و تسع جهويات من الولايات، دفع الحزب الحاكم إلا الشوط الثاني، لأول مرة في تاريخ الانتخابات البلدية.
وكانت نتائج الحزب الأكبر ، نزرا قليلا في دوائر اللوائح النسبية، وصعدت بقوة الأحزاب المناوئة والمنافسة، مما أوصل بوضوح رسائل الناخبين الفقراء إلى سلطة القرار، وأوجد ثنائية زحام بين الاتحاد وتواصل وحلفائه في الشوطين، بعد أن كان المؤمل خفض تمثيلهم في البرلمان.
6- أظهرت هذه الانتخابات تباين أحزاب الأغلبية في اصطفافها في الشوط لأول، وعجزها عن احتواء أحزاب المعارضة المحاورة في الشوط الثاني، في وقتٍ اصطفت فيه أحزاب المعارضة الراديكالية فيما بينها في الشوط الثاني، و عقدت تحالفات مع حزبي التحالف الشعبي والوئام ، ومن قبل أخذت حزب الصواب و المغاضبين من الحزب الحاكم.
7- نجحت السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية ،في تسيير حصص الدعاية الانتخابية للحملة الدعائية بعدالة، وباستثناء قناة الساحل المرئية ، كان الإعلام السمعي البصري برمته مفتقرا إلى المهنية والمصداقية .
8- رغم وصول رئيس أللجنة المستقلة للانتخابات إلا قمرة القيادة متأخرا ، وتشرذم الكتلة الانتخابية الأكبر، وتعدد رؤوس اللجنة المستقلة في أهواء حكمائها طبقا لمشارب أحزابها، وما واجه موسم الانتخابات من إكراهات الواقع، إضافة إلى قلة وسائل اللجنة وعجزها الثابت عن الحلول محلَّ لإدارة الإقليمية وأعوانها، كان أداء رئيس اللجنة، مقبولا في ظرف الزمان و المكان .
9- أبدت كل من المعارضة المناوئة، و المعارضة المحاورة قدرا من المسؤولية والحرص على نجاح هذه التجربة.
ويقدر للأطراف الخاسرة في الشوط الأول، سلاسة تعاطيها مع الواقع وتحدياته .
10- لم يشهد هذا الاقتراع بحمد الله وفضله ،أية احتكاكات خطيرة، تهدد السلم الاجتماعي، رغم خطابات الكراهية التي عمت وسائل التواصل الاجتماعي مدة هذه الحملة .
11- كان الخطاب القبلي مؤثرًا، إلا حد بعيد في الولايات الداخلية والمناطق النائية، بشكل جعل كل مجموعة أو حتى شريحة صغيرة ، تصوت بشكل إنتقائي وعلني لأبنائها .
12- لم يخل هذا الاقتراع للأسف، من محاولة بعض المتنفذين الإضرار بخصمه أو نده ، بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وبكل الطرق المعلومة والمجهولة.
وإذا أردنا أن نقدم خلاصة في قراءتنا للمشهد الانتخابي في استحقاقات الشوط الأول من انتخابات سبتمبر2018م، فإننا نقول إن جملة من النجاحات تم انجازها في هذا الاقتراع النسبي والمباشر.
لقد نجح الرئيس محمد ولد عبد العزيز في ما أراد وهو استمرار أغلبيته في الحكم .
ونجح ناخبوه في إرسال رسائلهم إلا نظامه بدون واسطة ورغم كل الكوابح .
ونجحت المعارضة في رص صفوفها وتعزيز وجودها .
ونجحت أحزاب من الأغلبية الداعمة، وأحزاب من المعارضة المحاورة، في منع بيت العنكبوت من تخيلاته في القضاء عليها .
ونجحت اللجنة المستقلة في عملية اقتراع معقد برؤوس ومشارب وأهواء متعددة .
ورغم تلاعب الكبار بمحاضر الصغار، تم إقرار الشوط الثاني في موعده المحدد.
فهل يمر الشوط الثاني بصخب وخسائر أقل؟
وهل يراعي الجميع أن موريتانيا واستقرارها الدائم، أهم وأقوى من أطماع الساسة ، ومآرب الأحزاب؟
قلناها بلا تورية ، ونكررها بلا لبس، الرئيس نجح في تحديد البوصلة، وضمان حكم الأغلبية في هذا الاقتراع المعقد.
ولقد بين ناخبوه خصوصا، والموريتانيون عموما، دعوته بوضوح إلى تجديد قنوات الاتصال بين القمة والقاعدة .، وإحداث ديناميكية تغيير شاملة.