إسلاميو موريتانيا.. والامتحان العسير !! / سيد أحمد ولد باب

altلا يبدو الإسلاميون رغم الحراك السياسي الراهن في عجلة من أمرهم أوالدفع باتخاذ قرار تمليه مقتضيات الساعة وينتظره المرشحون . بقدر ماهم حريصون علي قرار يجمع الشمل ويجنب الحزب و"أنصاره" فتن السياسية ،وبوائق الدهر،وكيد الخصوم، وسط جو مشحون تتنازعه الأهواء ويغذيه حراك سياسي أستمر لعشرة أشهر كان للعسكريين الدور الأبرز في رسم ملامحه.

وقد يكون يوم الجمعة القادم أصعب أيام التيار الإسلامي في العملية السياسية الراهنة بعد أن تحدد كموعد أولي لحسم أصعب الملفات المطروحة علي طاولة الحزب السياسي الوليد (التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل") ،إنه ملف رئاسيات يوليو 2009 .

داخل حزب "تواصل" تبدو الصلاحيات واضحة جدا للقائمين عليه فالمجلس الوطني للحزب هو الجهة الوحيدة المخولة فعليا باتخاذ القرار ترشيحا أو دعما أو حيادا في عملية سياسية أقل ما يقال عنها بأنها "امتحان عسير" لحزب يجمع أنصاره التوجه لا الجهة والعرق أو الشخص أو المال،لكن في مثل هذه المحطات الصعبة..هل تكفي الصلاحيات وحدها لحسم موقف من هذا القبيل!!؟

الأنباء الواردة من حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" تفيد عكس ذلك ،فالحزب قرر إرسال بعثات عاجلة إلي الداخل للقاء كافة الأقسام علي عموم التراب الوطني وفتح نقاش جدي داخل كل مقاطعات الوطن ،وطرح الخيارات المتاحة أمام الحزب ومناضليه قبيل بلورة تصور واضح داخل الساحة الإسلامية يكون أساس النقاش المنتظر وخارطة الطريق المطروحة فعليا داخل الهيئات المخولة باتخاذ القرار.

يقول الإسلاميون وأنصارهم إنهم قادرون في كل اللحظات علي اتخاذ المواقف الجريئة والمتحررة بفعل قيادة شابة تدير مختلف هيئات الحزب بالتشاور والشراكة،وأنصار تعلموا الطاعة في المنشط والمكره.

ويقول الإسلاميون كذلك إن النقاش سيشمل كل الخيارات المطروحة علي الساحة السياسية والمتاحة في الوقت نفسه ، وأن القرار النهائي لهيآت الحزب ملزم للجميع، لكن هل فعلا أعد الإسلاميون العدة لموقف صعب كهذا؟ وهل كل الخيارات الآن مطروحة للنقاش؟

ما الذي سيناقشه قادة "تواصل"؟

ليس من السهل الجزم بما سيناقشه قادة حزب سياسي في اجتماع لما يلئتم،وفي فترة متفجرة يتكاثر فيها المرشحون تكاثر الطفيليات في الماء،وتتنازع فيها القادة كما المناضلين خيارات صعبة تحكمها المبادئ وتوجهها مصالح "التيار" ،وتغذيها مشارب مختلفة بينها الصالح والطالح،وتتفاوت فيها الرؤي والأفكار تفاوت البشر في إدراك الحقائق ومقتضيات الواقع.

ولكن وفق ما هو مطروح علي الساحة الإسلامية حتى الآن فإن خيار الحياد في انتخابات يوليو 2009 غير وارد لدي الإسلاميين ،لأنه تماما بالنسبة للمتحزبين يعتبر إعلان فشل مبكر لأي مشروع سياسي وبالتالي لابد من قرار يتلمس أصحابه أخف الضررين ،وأهون الشرين ضمن مقاربة تدرك الواقع المر وتستشرف المستقبل الغامض والمضطرب في وقت واحد.

المشاركة أو المباركة ؟

لكلا الخيارين أنصاره والمدافعون عنه بحماس داخل الساحة السياسية الإسلامية، ولكل مبرراته المطروحة بقوة دفعا باتجاه التمكين للمشروع المشترك أو دعما لخيار الديمقراطية والتداول علي السلطة أو تخفيفا للاحتقان الاجتماعي ومجاملة للحلفاء داخل المعارضة أوتخفيفا من عداوة قائمة أو متوقعة من قبل بعض الأطراف في السلطة.

خيار المشاركة :

يمتلك الإسلاميون من دون شك خيار المشاركة في الرئاسيات القادمة من خلال الدفع بمرشح من داخل صفوف الحزب يكون الخيار الوسط بين دعم معارضة فاشلة في الوصول للسلطة منذ بداية المسلسل الديمقراطي، وأغلبية لوثها شهور من الحكم دون شرعية أو سنوات من الفساد دون روية.

ويمتلكون ما يلي لضمان الدفع بمرشح للرئاسيات :

1- النصاب القانوني المطلوب لتزكية أي مرشح للرئاسيات من داخل صفوف الحزب دون اللجوء للتحالفات أو شراء المستشارين البلدين ،حيث يدير حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية عشرة بلديات وأكثر 150 مستشارا بلديا موزعين علي كافة ولايات الوطن.

2- يمتلك الإسلاميون بنية أرضية لأي حملة انتخابية قادمة ،حيث يديرون أكثر من 56 فرعا علي مستوي التراب الوطني وفي كل الولايات،مع أنصار داخل الساحة الدعوية والقبلية كثيرا ما يستنفرون أثناء الأزمات وإن ظلوا غائبين خلال الصراع الأخير علي السلطة كما يقول بعض المراقبين.

3- يمتلك الإسلاميون قوة انتخابية كبيرة ونشطة بحكم السيطرة الفعلية علي الساحة الطلابية والحضور البارز في الساحة النسوية،مع ماكينة إعلامية لافتة تغذيها جملة من المواقع والصحف داخل وخارج البلاد كان لها الأثر الكبير في الصورة التي أكتسبها الإسلاميون خلال السنوات الأخيرة.

4- يمتلك الإسلاميون إدارة حيوية حافظت علي نسق معين من التعبئة والاجتماعات المتواصلة طيلة شهور السنة ولعله الحزب الوحيد الذي أنتظمت جلسات هيآته القيادية ولجانه الفرعية طيلة أسابيع وشهور الحراك السياسي متابعة للخطط ودفعا باتجاه تصعيد معارضة كانت تري في تحكم العسكريين خطرا علي مصالح البلاد ،وبعض ساكنيها،ودفعا باتجاه تعزيز البنية الحزبية الوليدة.

5- يمتلك الإسلاميون بعض القيادات السياسية القادرة علي خوض غمار الانتخابات،ولعل أهم المرشحين لقيادة الإسلاميين في انتخابات يوليو 2009 هما :

* رئيس الحزب : محمد جميل ولد منصور وهو أحد قادة التيار الإسلامي السياسي في موريتانيا والمتشبع بالإخوان المسلمين فكرا ،شاب منفتح علي الواقع الحالي ،له علاقات ممتازة في الداخل والخارج،دخل العمل النقابي والسياسي مطلع الثمانينيات،وتقدم فيه مناضلا داخل صفوف الطلبة ،مشاركا في حزب الأمة المحظور ،قياديا في تكتل القوي الديمقراطية أيام الشراكة،فرئيسا لمبادرة الإصلاحيين،قبل أن ينتخب رئيسا للحزب خلال مؤتمره الأول والأخير بأغلبية كاسحة لامست حدود التزكية بين صفوف الحزب بعد أن عزف رفاقه عن منافسته خلال أيام المؤتمر الثلاثة.

* رئيس المجلس الوطني : محمد محمود ولد سيدي : وهو أحد قادة التيار الإسلامي المعروفين داخل الساحة السياسية والدعوية ،وزيرا سابقا للتعليم العالي والبحث العلمي،برز للواجهة مع مؤسسة "الراية المحظورة" والتي تولي رئاسة مجلس إدارتها قبل أن يضطر للخروج من موريتانيا إبان الاعتقالات التي طالت الإسلاميين سنة 2003 إلي العاصمة البلجيكية "بروكسل" مع رفيقيه محمد جميل ولد منصور وأحمد ولد الوديعة،عاد بعيد تراجع حدة الأزمة منشغلا بالساحة الفكرية والتعليمية قبل أن يدخل حزب "تواصل" قبل مؤتمره الأول ليتم انتخابه رئيسا للمجلس الوطني الهيئة المخولة فعليا بحسم ملف الرئاسيات أوالتحالفات المرحلية والطويلة.

لكن للخيار عواقبه وسلبياته ولعل أهمها:

1- الانكشاف السياسي في وقت تدفع فيه بعض أطراف المعارضة اضطرارا لا اختيارا لتوحيد المرشح والحفاظ علي الجبهة القائمة بغية تحقيق نتائج قد تكون حاسمة في الجولة الثانية إذا تماسكت الأطراف خلف مرشح واحد وهو أمر مستبعد حتى الآن.

2- تراجع الشعبية بسبب غياب موارد مالية هامة للحزب يمكن الاعتماد عليها خلال الحملة الانتخابية وهنا يجزم العارفون بأخبار بحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية أن الوضع المادي قد يكون المعوق الأصعب أمام اتخاذ قرار بهذا الشأن في ظل وجود منافسين أقوياء ومجتمع ضعيف أمام مغريات المال وضغوط السلطة وطغيان سلطة الوجهاء.

3- تمزيق الجبهة القائمة:ولعل من سلبيات القرار كذلك أن ترشيح "تواصل" للرئاسيات القادمة سيقضي علي حلم قيادة الجبهة المناوئة للعسكريين في ترشيح مرشح موحد للرئاسيات القادمة بل سيقضي نهائيا علي التحالف الذي أستمر عدة أشهر مالم تكن مجمل الأطراف قادرة علي الدفع بمرشحين آخرين وتكرار تجربة "ائتلاف قوي التغيير الديمقراطي" من خلال التفاهم والتنسيق في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

المباركة: 
وهنا يتجه الحديث حصرا لدي قيادة حزب "تواصل" أو علي الأقل المعنيين برسم الخطوط العريضة لسياسية الحزب إلي خيارين أحلاهما مر كما يقول بعض الأنصار والمهتمين وهما :

1- دعم مرشح التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير : ورغم أن للقرار فوائده من حيث تماسك الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية كقوة انتخابية لا بأس بها ،ودفعا باتجاه تغيير موازن العملية السياسية والتشويش علي شركاء السباق الآخرين،ناهيك عما قد تحققه الخطوة من تفاهم ولو علي مستوي العلاقات العامة بين شريحة تري أنها مضطهدة ومعزولة وتيار شعبي يحاول اختراق جدران التولفة العرقية في البلاد فإن للأمر سلبياته كذلك .
ولعل أهمها:

- التناقض مع القاعدة الشعبية التي يصعب بل ويستحيل عليها الاقتناع بمرشح آخر من خارج الحزب ،خصوصا وأن الرجل رغم مكانته الكبيرة ونضاله الطويل له أولوياته ومشروعه المتناقض تناقض الخاص والعام مع أولويات ومشروع الإسلاميين. وهو أمر بالغ الخطورة علي الوحدة الفكرية للإسلاميين والتنظيمية لحزب "تواصل" في ظل أصوات داخل حزب التحالف الشعبي وحركة "الحر" خصوصا لا تضمر عدائها للموروث الحضاري للإسلاميين كتوجه وللنسيج الاجتماعي الذي ينحدرون منه وهو أمر له تداعيات بالغة في مثل هذه الأوقات.

- الضرب في حديد بارد : حيث يجزم الكثيرون علي أن توحيد الجبهة لمرشحها والدفع بولد بلخير إلي استحقاقات الثامن عشر من يوليو لن يغير من موازين القوي السياسية في البلاد الكثير،وبالتالي ستكون الجهود التي يبذلها الإسلاميون وغيرهم بمثابة الضرب في حديد بارد ،والزج بكل قواهم من أجل معركة خاسرة مسبقا قد لا يستفيد منها سوي المرشح ذاته الذي يدخل الجولة الثانية من الانتخابات وله وزن يساوم عليه وتتوق إليه أعناق المتنافسين مقابل ضمانات لن تكون بحال من الأحوال للجبهة ككيان بل للتحالف الشعبي التقدمي كرؤية ومشروع أسسه آخرون.

2- دعم مرشح التكتل أحمد ولد داداه: يكاد يكون الخيار الأخير القرار الأسهل والأقل تكلفة لدي الإسلاميين حاليا رغم ما يعرف عن الرجل ومقربيه من تفرد في الرأي وتعامل فظ مع الشركاء وضبابية في الرؤي خلال الأوقات الصعبة وجهوية لاحقت الحزب ورئيسه علي مستوي القيادة وساهمت فيها نتائج الانتخابات وحملات الخصوم وبعض سقطات المناصرين.

لا يشعر الإسلاميون بحماس كبير تجاه زعيم المعارضة السيد أحمد ولد داداه ،ولا يأمل كثير منهم وصول الرجل للسلطة في ظل اختلال موازين القوي القائمة ،ويستذكر العديد منهم أخطاء الرجل ومقربيه ،وحملاتهم الإعلامية التي طالت الحزب ورموزه خلال رئاسيات 2007 وما عقبها من تحالفات ونكث للعهود وتبادل للتهم وتلويح بالانتقام السياسي كانت بلدية "تفرغ زينه" تتويجا له.

ويستذكر الإسلاميون كذلك كيف أنتهي بهم المطاف 2007 حينما تحولوا إلي جزء من نسبة يفاوض بها ولد داداه اليوم ،ويتقاسم بها التشكيلات الحكومية واللجان الانتخابية بعد أن بات زعيما للمعارضة بلا منازع ،وتقاصر دور الإسلاميين إلي مستشار ضمن مؤسسة المعارضة أنتهي مع أولي الأقدام التي وضعوها علي عتبة الحكومة في عهد ولد الشيخ عبد الله.
ورغم ذلك يري آخرون أن دعم ولد داداه – حتى ولو لم يكن في صالح الإسلاميين – يظل الخيار الأمثل في ظل انقسام فعلي للمخزن السياسي وأصحاب النفوذ ،وفرصة لتوطيد الروابط بين قوي معارضة شتتها الأيام وجمعتها المحن وظروف السياسية القلب.
ويجزم آخرون أن وصول زعيم المعارضة للسلطة سيكون في صالح الخيار الديمقراطي وتكريسا لهزيمة العسكريين،وفتحا أمام أصحاب المشاريع الجدية في ظل حزب لا يحمل من أجندة سياسية سوي وصول رئيسه للسلطة دون إمكانية الاستمرار فيها في ظل معوقات شخصية ودستورية.

8. يونيو 2009 - 17:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا