قديما، و ككل ساكنة الفضاءات القفراء و الموحشة العطشاء، تعلم الموريتاني من وحشة و صعوبة و البداوة في جميع أرجائها و فظاظة و اضطراب المناخ في مهمهاتها بين الرياح السموم و الشمس الحارقة و ندرة المياه و شح الكلأ و انعدام مصادر الغذاء، تعلم أن لا يستعجل الأمور حتى لا يؤخذ على حين غرة و أن يقلب كل أوجه الحالات التي تعترضه حتى يتبين
مكامن النجاة و حظوظ النجاح و الوصول إلى غاياته مقلدا في الأمر ساكنة فضائه الصعب من الحيوانات ذئابا و ثعالب و زواحف من أفاعي و سحليات و عقارب.
و بالطبع لم تغير المدنية من بعد سبعة و سنين عاما قدر دانق من هذه الطباع التي قد أصبحت جزء ثابتا من سلوكه العام و نمطا بارزا في تفكيره المتحرر من عقد "عزة" النفس و حب "الرفعة و السمو"، فالمراوغة و الثعالبية و الحربائية و الغدر و المؤامرة و نقض العهود و المدح بعد الهجاء و العكس طباع لا يستهجنها أحد و لا يُعاقب عليها مرتكب تمر بلغة، تتأرجح بين الشعر و الأمثال و الطرائف، قدت على قياسها لتنسف سوء الأمر و تهيئ الأسباب لقلب الحقيقة رأسا على عقب.. إنها مهارة شحذت مع مرور الزمن حتى استقرت في النفوس و انصهرت مع مجمل الطباع، مستنكرها عديم الحيلة و الآخذ بها عرف من أين تؤكل الكتف.
و معلوم أن أغلب الموريتانيين لا يتوجهون إلى صناديق الاقتراع إلا أن تحين اللحظات الأخيرة إمعانا منهم في الاستمساك بثلاثة قواسم مشتركة:
· الغموض،
· الاستهتار،
· إبراز الأنا المتضخمة
و بهذا فإنهم، على الإطلاق، لا يعطون، باللفظ الصريح، موثقا قطعيا، حيث أنه من المعروف ـ في سلوكه العام ـ أن الذي يفعل إنما يعطى الدليل على السذاجة و سهولة الاستغلال و الإقصاء من المنافع التي هي عنده فوق مواثيق الشرف و معايير الالتزام و مقاصد بناء الشخصية المعتبرة باستقامتها و سموها.
كما تعتبر مواسم الاستحقاقات السياسية عند عموم الموريتانيين سوقا رائجة لبيع الذمم و الأصوات و استئجار الضمائر، و فرصة لا تتكرر لجني ثمار الولاء الغرضي و الالتحاق بالصفوف الأكثر مردودية.
و في الغالب يعتبر الشوط الأول من كل استحقاق كاليوم الأول لفتح "بورصة" الأصوات و الولاءات الميزاجية التمهيدية و مرصدا لقراءة مدركات الشوط الثاني الذي هو شوط الحسم الذي لا تحتمل فيه الخسارة و يتوقف مصير قابل الأيام على نتائجها إن لم تكن قد جنيت مسبقا، و في ذلك يتنافس المتنافسون بكل ما أوتوا من طباع و أساليب.
و يعتبر أيضا شوط الحسم هذا و بحق امتحانا عسيرا للأحزاب التي تساند أطراف التنافس النهائي فتراها تزيد خلاله من سرعة تحركها و من وتيرة أساليبها لتثبت أن لها موالين يستطيعون ترجيح الكفة التي إن نجح أصحابها كافؤوا بالاعتراف و أشركوا في قابل تولي الحكامة.