الطبقة السياسية في موريتانيا وانتخابات يوليو 2009 !! / سيد أحمد ولد باب

altأخيرا أسدل الستار على الجدل الدستوري بموريتانيا بعيد إقرار الجهات القضائية نتائج الانتخابات وإعلان فوز مرشح الجيش الجنرال محمد ولد عبد العزيز وخسارة المعارضة السياسية في البلاد لمواقعها السابقة مع تباين في الترتيب كان وقعه على الأنفس أكثر ضررا لدى البعض من خسارة السباق الرئاسي من جولته الأولى عكس كل التوقعات.

لم تشفع للمعارضة السياسية أخطاء ولد عبد العزيز الداخلية وهي كثيرة ولا الأجواء السياسية الساخنة التي سبقت إجراء الانتخابات ولا الفوز النسبي الذي حققته بدعم المجتمع الدولي في العاصمة السينغالية داكار إبان اتفاق الهدنة لتتساقط الرموز بين جريح وشهيد في ساحة المواجهة بعد أن أظهرت صمودا منقطع النظير خلال الأشهر التي تلت استلاء الجيش علي السلطة في البلاد.

ولد عبد العزيز القادم من رحم المؤسسة العسكرية في انقلاب مفاجئ عاد إلى السلطة، لكن هذه المرة بانتخابات شفافة ونزيهة أشرفت عليها قوى المعارضة وهي الانتخابات التي كانت نتائجها صادمة لأغلب معارضيه ومربكة لأنصاره الذين لم يتوقعوا الحسم من الجولة الأولي للانتخابات وبنتيجة تقترب من 53%.

أعلنت نتائج الانتخابات من قبل وزير الداخلية المحسوب على المعارضة، وزكاها المجلس الدستوري ووافقته اللجنة المستقلة للانتخابات –رغم استقالة رئيسها المتأخرة- بعد أن تم رفض طعون المترشحين الثلاثة (اعل ولد محمد فال وزعيم المعارضة أحمد ولد داداه ورئيس مجلس النواب مسعود ولد بلخير) على أساس أنها أفكار عامة لا دليل عليها، وفق تعبير وزير الداخلية محمد ولد أرزيزيم، ليتحول ولد عبد العزيز من ضابط أرعن منقلب على الشرعية في نظر مناوئيه إلى رئيس منتخب له معارضة دستورية يحكم لسنوات خمسة وفق ما هو منصوص عليه في الدستور.

لم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية مفاجئة لدى دوائر كثيرة، ولكن كان المفاجئ أكثر هو تهاوي زعيم المعارضة السيد أحمد ولد داداه من زعيم سياسي يقود تشكلة حزبية هي الأكبر في البلاد إلى رقم ضمن أرقام ثانوية في مشهد متصدع يبحث كل طرف فيه عن قميص يواري به سوأة نتائج الانتخابات، وتراجع ترتيبه من الثاني في انتخابات مارس 2007 وبنسبة 47 % إلى الترتيب الثالث ولكن هذه المرة بنسبة هي الأسوأ للحزب الذي يقوده منذ انتهاء حكم الرئيس السابق معاوية ولد الطايع في انقلاب عسكري سنة 2005.
تراجع حزب تكتل القوي الديمقراطية ومعه تراجعت أحلام عدد من زعماء القبائل ورجال المال والأعمال كانوا يحلمون بقطع الطريق أمام رئيس المجلس العسكري محمد ولد عبد العزيز وتهديداته المستمرة لمعارضيه بالسجن والضرب بيد من حديد علي أيدي من وصفهم أكثر من مرة بالفاسدين ضمن معسكر المعارضة والذين كانوا رموزا ونافذين في الأنظمة التي سبقته لحكم الدولة الموريتانية منذ الاستقلال قبل أن يتحولوا اليوم إلي معارضة دستورية تنافس وتهزم.

مع تراجع ولد داداه عن المشهد السياسي بشكل متسارع يتوقع أن تراجع دور رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير كذلك بعد أن تحول من قائد تحرري يهدف إلى انتزاع حقوق شريحة مستضعفة (لحراطين) من أيدي مُلاّكها السابقين إلى واجهة سياسية لعدد من رموز "الإقطاع" ورؤوس الأموال وقادة الحركات السرية سابقا الذين اختاروا هذه المرة لعب دور المعارض بعد أن ظلوا لسنوات طويلة يدورون في فلك السلطة التي أذاقت ولد بلخير وقاعدته الشعبية ذاته الأمرّين خلال سنوات الجمر التي شهدتها موريتانيا مطلع التسعينيات.

صحيح أن الرجل المدعوم بقوة انتخابية ومالية كبيرة استطاع أن يحقق رقما مهما في السباق الرئاسي بحصوله على المرتبة الثانية، لكن من دون شك خسر الكثير للوصول إلى ما وصل إليه، فقد انهارت تلك المقولات التمييزية التي بنى عليها نضاله السياسي، وانهارت نظريات التفرقة على أساس اللون ولم يجد ولد بلخير ما يعوض به الخسارة سوى الإجهاش بالبكاء أمام ناخبيه "البيض" هذه المرة في كل من "أطار" و"وكيفه" و"النعمة"، والإذعان بشكل متأخر لنتائج الانتخابات التي أقرّها المجلس الدستوري.

ولم يكن التيار الإسلامي الموريتاني ممثلا في حزب "تواصل" أحسن حظاً من غيره، فقد تراجع للمرتبة الخامسة في المشهد السياسي الموريتاني، مكتفيا من الغنيمة بالإياب، ومن النجاح بالسلامة، والابتعاد عن حزازات النفوس التي أفرزها المشهد السياسي المتفجر بفعل الانقسام الحادّ في دوائر السلطة بين معسكر المعارضة الراديكالية الخاسر ومعسكر السلطة الفائز بالانتخابات.

حقق الإسلاميون الرتبة التي أرادوها سياسيا وخسروا الكثافة العددية التي كانوا يمتلكونها انتخابيا بعد أن تعلقت جماهير عريضة بخطاب رئيس المجلس العسكري محمد ولد عبد العزيز الذي يتقاطع معهم في أمور كثيرة لعل أهمها تجديد الطبقة السياسية والرفض القاطع للاستكبار العالمي (أمريكا واسرائيل) وشعار محاربة الفساد الذي كان عنوان حملة الرجل بلا منازع خلال الشهور العشر الماضية ،ويزيد من ألقه السياسي الصرامة التي تحلي بها خلال شهور الحكم وشيء من الإنجازات في العاصمة وبعض الدوائر الانتخابية الأخرى التي كانت تصوت تلقائيا لأحزاب المعارضة الخاسرة.

وتبين لدي الدوائر السياسية المحلية أن النسبة التي حققها مرشح الرئاسيات ورئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني صالح ولد حننا في انتخابات الحادي عشر من مارس 2007 لم تكن منّة من التيار الإسلامي الداعم الرئيسي له فحسب –عكس ما رُوّج له خلال الفترة الماضية - وتبين كذلك أنها لم تكن وليدة مجهود ذاتي لولد حننا ورفاقه إذا ما اعتمدنا حساب انتخابات يوليو 2009 الذي أبعدته عن مسار الأحداث وأعادته لدائرة "المرشحين الصغار".

ولئن كانت قوى المعارضة التقليدية قد تراجعت إلى حد كبير، فإن المعارضين الجُدد قد قُتلوا في المهد بنسب ما كان أقل المتشائمين يفكر فيها ليتضح فعلا أن حزب رئيس المجلس العسكري الانتقالي اعل ولد فال الذي راهن عليه إبان الحملة الانتخابية (حزبي هو الشعب الموريتاني كان يرددها دائما) هو حزب غير منضبط أو على الأقل يتنازعه شركاء آخرون بعد أن كانت نسبة الثلاثة في المائة له بالمرصاد وهو الحالم للعودة للسلطة انتخابيا بعد أن غادرها "طواعية" خلال الفترة الانتقالية التي عاشتها البلاد بعد انقلاب الجيش علي السلطة 2005.

أما المرشحون الزنوج ("صار" و"كان") فرغم التجييش الإعلامي والسياسي الذي بلغ حدّ الخروج عن المألوف في الحصص المجانية لولا تدخل اللجنة العليا للسمعيات البصرية فقد كانوا ضمن دائرة الخاسرين الكبار بعد أن تبين أن أحلام "المساواة أو الانفصال" آخر ما يُصوت عليه الناخب الزنجي، وأن عذابات التسعينيات التي راهن عليها البعض كانت دراهم ولد عبد العزيز أسرع منها لمحو تلك المآسي من ذاكرة حامليها، فبعد جبر الضرر وخطاب "كيهيدي" تناست الثكالى مرارة الحرمان، والأيتام صور الوالدين، والمهجّرين طيبوبة المكان الذي غادروه تحت ضغط الجيش أيام السنين الخوالي ليصوتوا لولد عبد العزيز في الانتخابات الرئاسية بنسب فاقت كل التوقعات.

اليوم وبعد أن بات ولد عبد العزيز بحكم الأمر الواقع رئيسا لموريتانيا يحق للجميع أن يتساءل لماذا فاز ولد عبد العزيز على معارضيه؟ ولماذا انهارت قوى المعارضة بهذا الشكل الفظيع؟ وأين تتجه موريتانيا في ظل الوضع القائم.. وهل انتهى زمن الانقلابات...؟
أمور من بين أخري قد تكون موضوع حديث آخر ليس هذا وقته بالتأكيد.

25. يوليو 2009 - 15:30

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا