موريتانيا (شنقيط) تنتصر!! / المرابط ولد محمد لخديم

اسدل الستار على الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية في موريتانيا حيث تشكل اختبارا حاسما لهذا البلد الوليد وحديث العهد بالديموقراطية..
   وكان نحو 1.4 مليون ناخب موريتاني مدعوين للإدلاء بأصواتهم لاختيار برلمان جديد مكون من 159 عضوا، 

و219 مجلسا بلديا، إضافة إلى 13 مجلسا جهويا (مجالس محلية للتنمية)
وهي مجالس تختبرها موريتانيا لأول مرة بعد الغاء مجلس الشيوخ المستنسخ أصلا من النظام الجمهوري الفرنسي..
  ويأتي هذا الاجراء بعد الاتفاق السياسي المبرم بتاريخ 20 أكتوبر 2016 بين الأغلبية الرئاسية وبعض أحزاب وكتل المعارضة، ويهدف الى تحديد نطاق الجهة الترابي وتنظيمها وصلاحياتها ونمط تسييرها ومجمل القواعد المطبقة عليها.. وقد وافق عليه مجلس الوزراء يوم الخميس 23 نوفمبر 2017م وأقره...
ويتنافس المترشحون للمجالس الثلاثة ضمن آلاف اللوائح التي تقدمت بها الأحزاب السياسية، في اقتراع شهد نسبة مشاركة غير مسبوقة من كافة الأحزاب، التي يبلغ عددها 98 حزبا...
  جرت الانتخابات في ظروف مناسبة ودون وقوع مشاكل تذكر.. ولاينبؤك مثل خبير فقد شاركت شخصيا في هذه الانتخابات من مدينتي ازويرات.. ولمن لا يعرف هذه المدينة فهي أهم مدينة في موريتانيا لكونها حاضنة عملاق المعادن الموريتانية اسنيم  كما تشكل ساكنتها أنموذج للمواطنة والتعايش السلمي مثل كل المدن الصناعية في العالم فلا تسمع ابن فلان.. ولا من قبيلة علان.. فالكل أبناء المدينة ويقدمونها على أي انتماء آخر..
  وسبب مشاركتي يعود الى أن هذه الانتخابات تكتسي طابعا حاسما سواء للسلطة أو للمعارضة التي قررت هذه المرة المشاركة..
بالإضافة الى مشاركة كافة أنواع الطيف السياسي المعارض، بعد مقاطعة أبرز أحزابه الانتخابات النيابية والبلدية والرئاسية السابقة...
   وكان من اللافت للانتباه، كثرة المرشحين بشكل غير مسبوق. وبروز حزب الصواب ذي الخلفية البعثية بعد الاتفاق الذي حصل بين الحزب وبين مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية "إيرا" غير المرخصة، التي يتزعمها الناشط الحقوقي بيرام ولد أعبيدي...وأحزاب أخرى ذات توجهات ناصرية واسلامية...
    ويرجع كثرة الترشحات لكون القانون يحظر الترشح المستقل، ويهدد الأحزاب، التي لم تشارك في استحقاقين محليين متتاليين، أو التي حصلت مرتين على أقل من نسبة واحد بالمئة، الأمر الذي دفع هذه الأحزاب إلى الدخول في اللعبة الانتخابية، تفاديا لسحب التراخيص منها...
  كما لوحظ ترشح المستقلين عن طريق هذه الأحزاب لأمر الذي زاد من نسبة المشاركة في هذه ألانتخابات وأضفي على المشهد السياسي حركية خاصة...
   لكن في نهاية المطاف وتحت القبة البرلمانية وفي المجالس البلدية والجهوية، ستجتمع أطياف المجتمع الموريتاني بشتى مشاربه ممثلا للمجتمع الموريتاني ككل بما يعتبر مكسبا وعرسا ديموقراطيا ونموذجا فريدا من نوعه في العالمين العربي و الإفريقي..
  ولكي يشارك الجميع في هذا العرس الديموقراطي فيجدر بنا أن نذكر الموقف المشرف لرئيس الجمهورية بعدم حله لحزب بعينه رغم الضغوط والإغراءات في الداخل والخارج على الرجل.. وهذا ماسيجعل البرلمان المقبل يمثل الشعب الموريتاني كاملا بعيدا عن الغبن والإقصاء..
  وتتوزع لوائح الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات بواقع أكثر من ألف و500 لائحة للانتخابات البلدية، و161 لائحة جهوية، فيما بلغ عدد اللوائح المتنافسة في الانتخابات التشريعية 528 لائحة، بالإضافة إلى 87 لائحة للنساء...
إن تشكل خارطة سياسية ضمن المشهد الإنتخابي الوليد ،يعكس تعلق الشعب الموريتاني بروح البرنامج الانتخابي..
  وفي هذه الحالة شكلت إنتخابات سبتمبر 2018 و ما شهدته من مستجدات ، نقطة تحول ، نظرا لما واكب المناسبة من إرادة سياسية توافقية ،من قبل مختلف مكونات الطيف السياسي من موالاة و معارضة ،بهدف تدعيم التطور الديموقراطي، من خلال توسيع مشاركة الأحزاب السياسية ،في جو مشجع فعلا ، يدفع إلي الأمل في نجاح عملية التحول الديموقراطي و التنمية السياسية في موريتانيا ولكي نثمن هذه المكاسب يجدر بنا أن نرجع قليلا الى الوراء
  فقد كانت البلاد تخلو من سلطة مركزية تطبق الشرع وتدبر أمور الناس، ويتحاكم إليها الخصوم في الوقائع، لم تعرف البلاد الشنقيطية بعد العهد المرابطي أية سلطة مركزية ولا نظام في الحكم حتى نهاية العقد السادس من القرن العشرين عندما أعلن عن دولة الاستقلال تحت اسم الجمهورية الإسلامية الموريتانية في 28 نوفمبر عام 1960 م.
وهذا ما يسمح بالقول أن التاريخ السياسي للبلاد أمتاز بسمة من البداوة يعززها غياب للسلطة المركزية، فكان ذلك دافعا إلى صياغة جملة من الأسماء تلح في معظمها على وصف هذه الأرض بالخروج على السلطة والحكم والابتعاد على الخلافة والنظام، ومن هذه الأسماء "البلاد السائبة" وقد تحدث الشيخ" محمد المامي" عن خلوها من مقومات الملك والسلطان كالدرهم المسكوك والأمير المطاع يقول:
    ″هي البلاد التي لا حكم فيها ولا دينار ولا سلطان بادية في فترة من الأحكام بين المملكين   البوصيابية في الجنوب والإسماعلية في الشمال"، ولاشك أن مسألة السيبة أو التسيب كان لها تأثير كبير على أوضاع البلاد السياسية والاجتماعية، فلعلها هي التي حملت علماء الشرع على أن يكيفوا الكثير من الأحكام البدوية وفق النموذج القائم فاجتهدوا قدر الممكن والمتاح في المصالح والمقاصد بل إن هذا الاستثناء ولد عند أهل الذكر قناعة بعدم جدوى دولة النظام، خشية الفتنة والفساد وقد عبر الشيخ" محمد اليدالي" عن جانب من هذا التوجس مبينا جهل الناس يومئذ بأمور الحكم وفقه السياسة..
  وتأسيسا على هذا الكلام ألا يمكننا القول بأننا وصلنا الى مرحلة متقدمة في فقه السياسة بهذه التشكيلة ونحن مازلنا نعيش فوضوية لفريڴ..!! وشرنقة أطناب الخيمة واقعا!!
لقد اختزلنا ارقاما فلكية بوصولنا لهذه المكانة!!.بالمقارنة مع دول الديموقراطيات العريقة... خاصة اذا علمنا أن أول تجاربنا الديموقراطية كانت في تسعينات القرن الماضي!!!
   مما سبق ومن خلال المعطيات تعتبر هذه الانتخابات الاكثر جدية و الاوسع مشاركة وتعد النتائج المتحصل عليها معبرة عن مستويات الوعي السياسي وموازين القوة الانتخابية وطبيعة المرحلة الحالية من تاريخ البلاد...
وبهذا تنتصر موريتانيا وتذلل العقبات بتجاوز الاختلافات.

24. سبتمبر 2018 - 14:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا