لقد عودتُ القراء الكرام على إبداء وجهة نظري المتواضعة في الأمور المتعلقة بالشأن العام الوطني، محاولًا بذلك المشاركة الإيجابية في بلورة الأسلوب المناسب لمعالجة بعض القضايا التي يحتاج فيها أصحاب القرار السياسي إلى رأي موضوعي غير منحاز إلى أحد الأطراف السياسية المتنافسة من أجل المحافظة على السلطة أو الوصول إليها.
وقد تابعتُ باهتمام بالغ الاستعدادات التي سبقت انتخابات سبتمبر 2018م، والإجراءات الخاصة باختيار مرشحي الحزب للانتخابات النيابية والبلدية والجهوية، وما جرى بعد ذلك ممّا يمكن تصنيفه في خانة "صراع أجنحة" -غير متكافئة- داخل الحزب. صراع تغذِيه وتوجِّهه وتؤطرُه جهات معروفة، على رأسها أحد أعضاء الحكومة الموريتانية الموقرة (في إطار-حسب علمي- ما عُرِف بلجنة إصلاح الحزب). وهذا ما جعلني أقول إنّ أجنحة الحزب المتصارعة-على مستوى مقاطعة مقطع لحجار- لم تكن متكافئة، لأن الحكومة-من خلال أحد أعضائها- تستطيع الضغط على بعض الأطراف، مستعينة أو ملوحة باستغلال الوسائل المادية أونفوذ الدولة أو هما معًا.
ونظرا إلى حرصي الدائم على أن أكون موضوعيا وعلى مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين (وقد ساعدني على ذلك كوني لا أنتمي إلى أيّ حزب سياسي)، ولمّا كان الموضوع-هذه المرة-يتعلق جانب كبير منه بأهلنا في مدينة مقطع لحجار (ونحن-كما هو معلوم-ذرية بعضها من بعض) وبإخوة أعزاء أكن لهم جميعا كل التقدير والاحترام والمحبة، فقد فضلت التريّث في الكتابة إلى أن ينقشع غبار هذه "المعركة السياسية". وقد اكتفيت-حتى كتابة هذه السطور-بتدوينة وحيدة، كانت بعنوان: "ما ذا يجري في مقاطعة مقطع الحجار"، نُشِرت إلكترونيًّا (قبل بتّ الحزب في اختيارمرشحيه).
وقد جاء في التدوينة المذكورة، ما يأتي:
"لقد قدر الله-وما شاء فعل-أن أغادر مقطع لحجار (مسقط رأسي) في سن مبكرة متوجهًا إلى الخارج في رحلة دراسية استغرقت سبع سنوات، تلتها رحلة/ بل رحلات من نوع آخر (في إطار العمل الدبلوماسي والثقافي). واليوم وأنا أتابع ما يطفو على السطح-عبر بعض المنابر الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي-من طغيان للمادة وجعل المال مقياسا لمكانة المرء العلمية والسياسية والاجتماعية، فإنّ شريط الذكريات جعلني أحنّ إلى ذلك الزمن الجميل الذي لم تكن الدراهم والدنانير فيه مقياسا يجعلنا نفاضل بين إنسان وإنسان. وممّا زاد الطين بِلّة، تزايُد ظاهرة الجرأة (حتى لا أقول غير ذلك) على تسفيه آراء الشيوخ والوجهاء وأهل الحل والعقد من أبناء عمومتنا. إنه لمن المؤسف حقا أن نصل إلى هذه النتيجة في مجتمع مسلم عُرِف بالشهامة والنخوة والتوادّ والتراحم والتعاون وعلو الهمة والقناعة والتنافس في عمل الخير. أقول هذا الكلام، وقد أعود إلى الموضوع بشيء من التفصيل، بعد أن تابعتُ بِأَخَرَةٍ جزءا ممّا نُشِر إلكترونيًّا حول بعض الاقتراحات المتعلقة بمرشحي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية للاستحقاقات البلدية والنيابية. أرجو من العليّ القدير، أن أقرأ أو أسمع-في الأيام القادمة-ما يؤكد أنّ أهلنا في مقطع لحجار ما زالوا كما عهدناهم (في ذلك الزمن الجميل)". انتهى ما ورد في التدوينة السابقة.
اليوم وقد انتهت الانتخابات ونُشِرت نتائجها الموقتة، فقد ارتأيتُ أن أجيب-بناءً على استقراء واستنتاج متأنييْن- عن السؤال الوارد في التدوينة المذكورة (ما ذا يجري في مقاطعة مقطع لحجار؟).
لقد بات واضحًا-وهو أمر مؤسف على كل حال-أنّ مسؤولي الحزب القائمين على هذه العملية، لم يحالفهم الحظ في التوفيق بين آراء السكان المحليين حول من يقع عليهم اختيار الحزب لترشيحهم لخوض هذه الاستحقاقات الانتخابية الحاسمة التي يشارك فيها جميع الطيف السياسي الموريتاني، والتي تأتي في ظروف يحتاج فيها الحزب إلى مزيد من الانسجام والوحدة ليكون جاهزا لخوض الانتخابات الرئاسية لسنة 2019م.
ومهما يكن من أمر، فإنّ الإجراءات الخاصة باختيار المرشحين- وما ترتب عليها من تذمر وامتعاض لدى بعض منتسبي الحزب-قبل غيرهم- إثر تدخل أحد أعضاء الحكومة ومن يخضعون لنفوذه (المستمد من نفوذ الدولة)، لترجيح كفة أحد الأطراف المعنية-قد أحدثت شرخا كبيرا وجرحا غائرا في جسم هذه الكتلة الانتخابية الوازنة (عَدَديًّا ونَوْعيًّا/ كَمًّا وكَيْفًا). وقد لا يندمل هذا الجرح بالسرعة التي يتخيلها بعضنا. وهو أمر مؤسف يحدث أولَ مرة في هذه المقاطعة التي عرفت في الآونة الأخيرة بولائها لبرنامج رئيس الجمهورية، واستعدادها الدائم لخدمة الوطن والمواطن.
يُشار بهذا الخصوص إلى أنّ الحكومة الحريصة على المصلحة العامة، يجب أن تحث أعضاءها-وخاصة في هذا النوع من القضايا الحساسة- على الابتعاد عن استعمال نفوذ الدولة أو التلويح به، بأسلوب في غير محله (ولكل مقام مقال).
ولا شك في أنّ القائمين على هذه العملية، كان بوسعهم التنسيق والتفاهم مع شخصيات ورموز ووجهاء وأطر ومثقفي هذه الكتلة (شِيبًا وشبابًا) للتوصل إلى حل ترضى عنه جميع الأطراف ويخدم تعزيز لحمة المجتمع وانسجام منتسبي الحزب. وقديمَا قِيلَ، استعينوا على كل أرض بأهلها (وأهل مقطع لحجار لا يجوز جهلهم ولا تجاهلهم).
ولمّا كان المقام لا يسمع بذكر جميع أسماء مؤسسي "حلف الكرامة"، فسأكتفي بذكر اسم الشيخ الموقر/ موسى ولد كبد/ أمدّ الله في عُمُره. وغني عن التذكير أن الرجل يحظى باحترام سكان المقاطعة-القاصي منهم والداني-ويمثل رمزا مهما للمجتمع المحلي وللدولة. وقد استمعت إلى كلمته الأخيرة في لقاء دعا إليه، بتاريخ: 22 سبتمبر 2018م، حيث أكد أنّ "حلف الكرامة"-وهو الاسم الذي اختارته المجموعة شعارا لعملها-لا يخرج عن إطار منتسبي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية أو التعاون مع بعض أحزاب الأغلبية الداعمة لبرنامج رئيس الجمهورية (وقد حرص في جميع كلماته في الاجتماعات السابقة على تأكيد هذا الموقف). وتكرر التأكيد نفسُه في كلمات الإخوة الذين تحدثوا في الاجتماع.
الآن، وقد حدث ما حدث. ووقعت "الفأس في الرأس"-كما يقال-فلعل من المناسب/ بل من الملح والعاجل والضروري، أن تُتخَذ الإجراءات المناسبة-وعلى أعلى المستويات-من أجل معالجة هذه الوضعية الخطيرة (غير المسبوقة في المقاطعة، بل في تاريخ الدولة الموريتانية الحديثة) والتخفيف من الأضرار السياسية والاجتماعية والمعنوية والنفسية المترتبة عليها.
أرجو وأقترح، أن تبدأ هذه الإجراءات بإعادة الاعتبار إلى الشيخ الفاضل/ موسى ولد كبد، وإلى مَن استجابوا-مشكورين- لما يدعو إليه ويريده من إصلاح.
والله ولي التوفيق