الشيخ بداه ولد البوصيري رحمه الله...وسير أعلام النبلاء / أحمد أبو المعالي

altهكذا شاءت إرادة الله وما لنا إلا الرضا بالقضاء أن نودع الشيخ الإمام بداه ولد البوصيري والمآقي لم تجف بعد والجرح العميق لم يندمل ..فمحمد سالم ولد عدود رحمه الله ما زال يسمع قرع نعال دافنيه- ليتضاعف الألم وتتجدد الحسرة ونمارس الحزن مرة أخرى ...وهو الذي :ي

جمعه و(الناه) قدر مشترك ** لولاهما لقطرنا كان هلك ".
.فمن لنا بالعزاء ..؟؟ 
حينما نتحدث عن الإمام بداه كأنما نستعيد سير أعلام النبلاء ..وكأنما نجدد عهد السلف الصالح وأئمة الهدى الأعلام الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم .
.فالإمام من الرعيل الأول وقد أخره الله ليجدد لهذه الأمة أمر دينها .ولينفي عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين .لذلك لم يرض الشيخ- الذي سكن العاصمة قبل أن "تعصم"-إن صح التعبير- واستقر بها قبل أن تكون ذات شأن ،،وأم أكبر وأهم مساجدها –أن يحظى بمزايا الموظفين ومكاتبهم ..ورفض أن يتسلم من الدولة التي خدمها عشرات السنين أي راتب ..ولم يقبل بأية وظيفة عدا التدريس والإفتاء والإمامة ابتغاء وجه ربه الأعلى ..رغم إلحاح الأنظمة على ذلك وما جبل الله عليه الناس من حب الشيخ الذي نحسب أن الله أحبه فأحبه أهل السماء ثم وضع له القبول في الأرض ولا نزكيه على الله
تلك المكارم لا قعبان من لبن** شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
فعاش حياة الزهاد والصالحين وهو الذي يتمنى الموسرون أن يقبل هداياهم وأن يحصلوا على رضاه أو دعاء منه حتى ولو بدا في ظاهره دعاء عليهم ..فيا بشرى من خصه الإمام بمزحة أو مكانة ...أو ...او 
إن ما قل منك يكثر عندي ** وقليل من من تحب كثير
لقد جدد الشيخ السنة وأمات البدعة وأعاد الناس إلى الأصول وسخر جهده لينير أسنى المسالك ..وليزيل الغبار عن سنة خير الناس ...فكانت محظرته محفلا حافلا بالقرآن والسنة حفظا وتدريسا وتفسيرا وشرحا ..لم يثنه عن ذلك ما تعرض له من نقد واعتراض ...حتى من( الدهماء الذين صرحوا ببطلان صلاته في المذاهب الأربعة) كما حدث للشيخ ذات مرة 
وقد ترك الشيخ الدنيا ظهريا وطلقها ثلاثا صارخا في وجهها "غري غيري" فكان وقته للتدريس والتأليف والإفتاء ولإقامة الشعائر تجيى إليه القلوب ..وتطيب النفوس لسماع صوته الذي يتمنى سامعوه أن لا ينقطع لطلاوته وحلاوته في المسامع ..فكانت محظرة الشيخ بداه من أضخم وأهم المحاظر الموريتانية تشرئب إليها أعناق طلبة العلم ..وتخرج منها العلماء والدعاة .وذاع صيته في الآفاق وصار مضرب المثل في قول الحق ..
وقد أضاف إلى ذلك منهجه الدعوي المعروف فلم يكن عالما مدرسا للمتون فقط بل كان مصلحا اجتماعيا يسعى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يأبه إن كان الأمر أو النهي للقمة أو للقاعدة ..وقد احتضن الشيخ الدعوة ووجه الدعاة وأرشدهم ونافح عنهم ولم يقبل أن ينجرف وراء المغرضين أو دعاية الأنظمة ..فكان أبا لكل الدعاة بمختلف توجهاتهم ومنافحا عنهم في المجالس والمحافل ...فاحتضن مختلف الحركات الإسلامية التي اقتضتها طبيعة العصر ومقتضيات الحال موجها ومرشدا وناصحا أمينا
أما وقوفه في وجه الأنظمة وإعلاؤه كلمة الله لتكون هي العليا فحدث عنه ولا حرج .فذك "مجر عواليه ومجرى السوابق"
.لم يرض لنفسه يوما واحدا أن يتخندق في "السياسة" وأن يكون بوقا لأي نظام أو أن يسير في فلكه وأن أن يكون منبره مؤسسة رسمية ..رغم معايشته للعديد من الأنظمة ورغم ما مورس عليه من ضغوط ووقف في وجه الكثير من القرارات والتصرفات التي لم تكن تقرها الشريعة .وحارب شتى الأمراض الاجتماعية .وكانت خطبة الجمعة حديثا موجها ووعظا مؤثرا ونصحا جميلا ..ومجادلة حسنة ..يغضب لله عندما تنتهك الحرمات ..ويجأر بالحق ..
لم تكن خطب الشيخ لقطات مسجعة مأخوذة من أمهات الخطب المنبرية التي لا تناسب الواقع ولا تتلاءم وما أحدث الناس .ولم تكن دعاية لهذا الخط السياسي أو ذك .بل حرص الإمام على أن تكون خطبة توضيحا لموقف الشرع من مخلتف الأقضية فكان رمزا من رموز الحق وقافا عند كتاب الله حتى أصبح الجميع حينما تدلهم الخطوب ويشتد الجدل يسألون عن موقف الإمام بداه وعن رأيه ..فهو سفين النجاة وصمام الأمان 
لذلك ظل بعيدا عن السلاطين فلم يخالطهم ولم يغروه بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ...أبدا فذالك متع الحياة الدنيا.. والإمام يسعى لغير ذلك ولخير من ذلك ..فعاش حميدا ومات حميدا
فالسلام عليه يوم ولد ,,ويوم مات ..ويوم يبعث حيا
وبموته دخل الرزء كل بيت موريتاني ..وخالط الوجع كل قلب موريتاني ...
رحم الله الشيخ بداه ولد البوصيري وأسكنه فسيح جناته 
وإنا لله وإنا إليه راجعون

9. مايو 2009 - 0:28

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا