ما سقط سهوا من الجزء الأول من هذا المقال الرد عندما كنا في موضوع تخريب " حكومة التأزيم والتعطيل " لعلاقة النظام الموريتاني ب " التيار الإسلامي"، هو ما كنت أود دائما طرحه والمطالبة به من حاجتنا لأيام أو شهور تشاورية حول هذا المصطلح ( التيار الإسلامي أو الإسلاميون ) تُحدد لنا من هم الموريتانيون الآخرون وما هو تيارهم؟ وما هو تيار الدولة والشعب؟ وما هو تيار بقية الأحزاب والهيئات التي لا يرفع أي منها شعارا مخالفا للإسلام كمرجعية جامعة؟ ولا أتكلم هنا عن الأفراد والحالات المعزولة.. خصوصا أن أصحاب هذا التيار سمعناهم في مناسبات وهم " يتبرءون "من هذا المصطلح شعورا منهم بإحراجه لهم في مجتمع ودولة ليست لهما مرجعية أخرى غير الإسلام، بل إن أحدهم قال مرة إنه وصف في غير محله لأن الأحزاب الأخرى في البلد كلها إسلامية كما قال.. لكنهم في نفس الوقت، وفي أدبياتهم وحملاتهم وحواراتهم يعتبرون أن " المنهج الإسلامي " هو ما يميزهم عن غيرهم، كما يعتبرون أيضا أن ما يخص أتباع هذا التيار خارجيا يخصهم..!! ولا يقل لي أحد إن هذا هو حال كل التيارات الفكرية التي لكل منها مرجعيات وارتباطات خارجية لأنني جيد الإدراك لذلك، ولكن الفرق والمشكلة هنا هي أن لا تيارا من التيارات الأخرى يتبنى فكرا يميزه ويتعلق في نفس الوقت بمشترك بين جميع الموريتانيين وهو جانب العقيدة والدين..! مما يستوجب، في اعتقادي ومعي كثيرون، وبإلحاح بحث السياسيين عن برامج سياسية أو خصوصيات أخرى تُميزهم بعيدا عن هذا المشترك الذي هو ملك للجميع.
ولنعد الآن لما وعدنا به في الجزء الأول من هذا الكلام والتطرق لجانب " التعطيل " من كلام صحاب مقال " بل الرحيل في حكومة التأزيم والتعطيل ".
يتابع الكاتب ليصل إلى مشاريع الرئيس الإسلامية التي عملت " الحكومة الحالية " على تعطيلها وإفراغها من محتواها، كإذاعة القرآن الكريم وقناة المحظرة، وطباعة المصحف الشريف، والجامع الكبير الذي " لا يزال رسما على ورق التصميم".. فضلا عن قطعه العلاقات مع إسرائيل..
فلا زلت إذاعة القرآن وقناة المحظرة تبثان برامجهما بنفس الوتيرة والرسالة والأهداف التي أطلقتا من أجلها في الأصل، وغير صحيح أن " حكومة التأزيم والتعطيل " حرمتهما من ميزانية تسيير وتطوير لأن لا ميزانية أصلا مقررة لهاتين المؤسستين وإنما تعتمدان في ميزانيتهما على جزء من ميزانية الإذاعة الأم، وغير صحيح كذلك أنهما أفرغتا من العلماء من تيار سياسي معين، فحسب علمنا فإن التاه ولد يحظيه كان، إن لم يكن لا يزال، يقدم كرسي اللغة العربية في القناة، كما أن الشيخ عبد الرحمن ولد أحمد الملقب ( ولد فتى ) كان، إن لم يكن لا يزال، هو الآخر عضوا في مجلسها العلمي، والإثنان من تيار سياسي معروف..
والأقل دقة وصحة من ذلك هو منع " الحكومة الحالية " للعلامة حمدا ولد التاه من تقديم دروس في قناة المحظرة ( ما فم أعظام )! بل الذي يمنع هذا الشيخ اليوم من تقديم تلك الدروس هو عامل السن والحالة الصحية اللذين لم يعودا يسمحان له بالقيام بالكثير من الأنشطة التي كان يقوم بها ويحضرها من ندوات ومؤتمرات وورشات، بما في ذلك ظهوره على قناة الموريتانية نفسها، ولكن بعد أن أجاد وأفاد على مدى أكثر من 30 سنة من الظهور الإعلامي اللامع والخصب والمفيد، ففقهَ وأبدعَ ورغَّبَ ويسَّرَ وبشَّرَ وأفحمَ وشنفَ الآذان وداعب َومازحَ وأتحفَ وأغنىَ وأثرَى وواكبَ وجدَّد وأضافَ.. وكل ذلك في حدود المذهب والنصوص، مركزا على ما الناس بحاجة إليه في أمور دينهم ودنياهم، مُتصامما مُعرضا عن
الكثير من الأمور الخلافية التي تضر ولا تُفيد، وتفرق ولا تُوحد في مجتمع خصوصيته وطبيعته ومحيطه وتحدياته والحفاظ على سلامته وتماسكه يتلطب مثل ذلك طبقا لمنهج ( سيروا سير ضعفائكم ) وعملا بقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيم ).
كما تم طبع وتوزيع عشرات آلاف النسخ من المصحف الموريتاني، ولا علاقة ل " حكومة التأزيم والتعطيل " بهذا المشروع الذي سبقها كما قلنا وسيعقبها، ولو كانت عملت على تعطيله لما طبعت ووُزعت منه هذه الأعداد الكبيرة، ولكن مشروع طباعة المصحف الموريتاني ليس مصنعا للإنتاج على مدار الساعة، ولا مطبعة لطباعة الصحف كل صباح وليس ذلك هو الهدف منه، وإنما هو هيئة تطبع نسخا من المصحف الشريف حسب الحاجة وعند الطلب.. وهو اليوم محفوظ، من الفاتحة وحتى الناس، في ذاكرة حاسوب للعودة إليه في حالة الحاجة إلى طبع نسخ جديدة منه.
أما المسجد الكبير فهذه قصته، فهو قرار من رئيس الجمهورية قرر من خلاله تشييد مسجد بتمويل ونمط معماري موريتاني صرف، بعد أن كانت كل المساجد الكبيرة في العاصمة من تمويل وأنماط معمارية أجنبية، ولم يكن القرار بتشييدة نابعا من حاجة ماسة يفرضها نقص في عدد المساجد في العاصمة بحيث تكون هناك ضرورة للإسراع بتشييده، وإنما لضرورة وجود مسجد موريتاني صرف كما قلنا، ولا علاقة كذلك ل " حكومة التأزيم والتعطيل " بتأخيره أو تعطيله، فقد تم إجراء مسابقة لاختيار تصميمه المعماري فور الإعلان عن قرار إنشائه، ووقع الاختيار على تصميم معماري تقدم به مهندس معماري تونسي واستلم مقابل تصميمه، ليبدأ البحث عن المكان المناسب لإقامته، ولأن المسجد سيكون مسجدا كبيرا بسعة أزيد من عشرة آلاف مصل بمبانيه ومحلقاته الأخرى، كان لابد له مكان يسعه.
ولأن وسط العاصمة كله مشغول بالبنايات والمنشآت، ولا توجد به مساحة كافية لإقامة منشأة من هذا الحجم، ولأن كل المساجد الكبيرة موجودة في وسط العاصمة أيضا، فقد أرتئي أنه من الأفضل اختيار مكان له يكون على مسافة كافية من تلك المساجد، مع الأخذ في الاعتبار جانب وجوده في مكان من العاصمة ذا كثافة سكانية كبيرة، فوقع الاختيار على أن يكون في الركن الجنوبي الغربي من مساحة مطار نواكشوط القديم، وهو المكان المتوسط لأربع مقاطعات كبيرة هي لكصر، وتفرغ زينه، وعرفات، ودار النعيم، والمطل على أكبر ملتقى طرقى في العاصمة يعبره آلاف المواطنين يوميا هو ملتقى طرق " مدريد"، لكن ولأن المطار كان حينها لا يزال مستخدما من طرف الطيران والمنظمة العالمية للطيران، ولأسباب أمنية، لا تسمح بأعمال البناء والورشات داخل المطارات، كان لا بد من انتظار انتهاء المطار الجديد وتشغيله.
انتهى المطار الجديد وانتقل إليه المطار القديم بتجهيزاته ومعداته، وحددت مساحة المسجد في المكان المخصص له وتم تسييجها، واختيرت الشركة التي ستتولى تشييده وبدأت في بناء عنابر كبيرة لتخزين مواد بنائه توجد الآن في الجزء الشرقي للمطار القديم بمحاذاة حي " تن أسويلم " وقد بدأت مواد بنائه تصل لتلك العنابر وسيتم البدء في تشييده قريبا. يقال، ضمن الكثير مما يقال، مما لا نستطيع تكذيبه أو تصديقه، بأن صفقة تنفيذ المسجد تم منحها لمقاول آخر بعد اعتذار المقاول الذي كان سيتولى بناءه لعدم جاهزية مالية، وإذا صح ذلك فإنه بكل تأكيد مؤشر على الاهتمام به وبسرعة إنشائه، باعتبار المقاول الأخير الذي منحت له صفقة تنفيذه كان هو من بنى قصرا ضخما للمؤتمرات وبكل تجهيزاته في ظرف 8 أشهر..
ومعلوم كذلك أن قطع العلاقات مع إسرائيل لم يكن مشروعا، بل كان قرارا سياديا وشجاعا تم اتخاذه على أعلى مستوى وفي حالة وظروف خاصة وفترة حساسة لم تكن مشجعة على اتخاذه ورغم ذلك اتخذ.. ولم تعطله لا الحكومة الحالية ولا تلك السابقة ولا تستطيع حكومة مقبلة اتخاذ قرار بالعدول عنه أو الاستمرار فيه..!
يحط الكتاب الرحال في مجال الحريات الذي عطلت وخربت المكتسبات فيه " حكومة التأزيم والتعطيل "، وبالمناسبة معروف هذا الكاتب بالتنويه بمستوى الحريات الذي عرفته البلاد في هذا العهد بكل حكوماته السابقة والحالية، وهو من الشهود عليه.. ومع ذلك يقول " وفي مجال الحريات الإعلامية استلمت الحكومة الحالية مهامها وقد انطلقت القنوات الإذاعية والتلفزيونية المستقلة بباكورة برامج متنوعة، وأحلام وطموحات ذات سقف مرتفع، وسنت الدولة قانونا يلغي العقوبة في جرائم النشر، وأسست صندوقا لدعم الصحافة المستقلة، لكن هذه الحكومة ركزت جهودها على إفراغ كل هذه الخطوات من مضامينها، فحاصرت القنوات الإذاعية والتلفزيونية ووأدت تجربة تحرير الفضاء السمعي البصري، وتعاطت بأريحية مريبة مع فترة انقطاع بث كل القنوات التلفزيونية، وكأن تأزيم المشهد الإعلامي غاية تسعى إليها، بل عمدت إلى إغلاق كل منفذ يمكن أن يصل منه دعم للصحافة المستقلة سواء المرئية والمسموعة، أو الورقية أو الالكترونية، فاختفت الصحف الورقية تقريبا في عهدها، وأغرقت المواقع الالكترونية بحفنة من المتسولين وأتباعهم ".
فعلا، لقد انطلقت القنوات الإذاعية والتفزيونية المستلقة بباكورة برامج متنوعة، وأحلام وطموحات ذات سقف مرتفع كأي مولود جديد، وسنت الدولة قانونا يلغي العقوبة في جرائم النشر، وأسست صندوقا لدعم الحصافة المستقلة.. لكن أين أفرغت الحكومة الحالية ( النظام ) هذه الخطوات من مضامينها؟! فالذي يدركه الجميع هو أن باكورة البرامج المتنوعة التي انطلقت بها هذه القنوات كانت، ولا تزال، من مهام واختصاص القائمين على هذه القنوات وليست الحكومة هي من يقترح أو يسجل أو ينتج تلك البرامج، ومثلها السقف المرتفع للطموحات الذي يعتبر تحقيقه والوصول إليه أيضا من اهتمام واختصاص القائمين على هذه القنوات وليس الحكومة التي رخصت لأصحابها وقالت لهم انتجوا وبثوا ما شئتم ضمن دفتر الالتزامات واضح البنود..
لكن هل تراجعت الدولة عن قانون إلغاء العقوبة في جرائم النشر ومتى كان ذلك؟! ما أكثر تلك الجرائم التي تعالت الأصوات بضرورة إيقافها وظلت الدولة مصرة على بقاء قانون إلغاء العقوبة في جرائم النشر ساريا! ثم هل ألغي صندوق دعم الصحافة المستقلة ومتى كان ذلك أيضا؟! لا يزال هذا الصندوق قائما ويوكل تسييره إلى هيأة من أهل المجال منتخبة تتولى تسييره وتوزيعه، نعم قد لا يكون كافيا لكنه لا يزال قائما، وإذا كانت الحكومة الحالية ( النظام ) لم تزده بأوقية واحدة، فإنها أيضا لم تنتزع منه أوقية واحدة..!
كما كان توقيف بث القنوات التلفزيونية قرارا من الجهة التي تتولى تنظيم عمل هذه القنوات حسب دفتر التزامات وشروط لم تطبق منها تلك القنوات الحد الأدنى وليس قرارا من الحكومة، والمتعارف عليه والشائع بين أعضاء " الهابا " أنه لو تم تطبيق تلك الشروط ودفتر الالتزامات حرفيا لما " راحت الشمس " على قناة ولا إذاعة واحدة من تلك القنوات والإذاعات وهي تبث! ولكن وعملا بضرورة تطبيق هذه الهيئات للحد الأدنى من الشروط تم توقيف بث هذه القنوات دون تمييز، ولم نسمع أيا من مسؤولي هذه القنوات يصرح أو يلمح إلى أن إغلاقها كان استهدافا لها أو إجهازا عليها أو تضييقا من " الحكومة الحالية " اتجاهها، بل تفهموا كلهم ذلك القرار ومدوا أيدي النقاش والمفاوضات مع الجهات المعنية من أجل الوصول إلى حل وسط يعيد قنواتهم للبث، وهو ما تم وبالحد الأدنى مما كانت تطالب به هيأة البث التلفزيوني أيضا، مما يوضح حرص " حكومة التأزيم والتعطيل " على استئناف بث هذه القنوات التي عادت للبث بنفس البرامج التي بدأت بها أصلا، فلم تكن تبث من برامج قبل توقيف بثها إلا ما تبثه اليوم بنفس الروتين، مقابلات وحوارات ونشرات وسهرات فنية وإعلانات..
أما الذي أودى بالصحافة الورقية إلى الاختفاء فهو العصر وتقنياته فائقة السرعة والتطور واليسر وليس " حكومة التأزيم والتعطيل "، فلم يعد اليوم من يمتلك شريحة في جيبه تمكنه من الاطلاع على كل المستجدات والأخبار الوطنية والدولية، بل وكل ما يريد الاطلاع عليه من معارف وأخبار، في حاجة للتسكع على مطبوعات رصيفيه بمائة أوقية كافية للطوَفان به حول العالم وأخباره ومستجداته وصوره وأفلامه وهو مستلق في بيته، أو تحت شجرة في غابة أو على كثيب في صحراء إن هو استغل ذلك المبلغ في هاتفه المحمول، فضلا عن كون هذه الصحف لا تقدم للمطالع سوى أخبار منسوخة وملصقة من الشريحة التي في جيبه!
كما كان إغراق المواقع الالكترونية والصحف الورقية قبلها بمن يسميهم الكاتب المتسولون وأتباعهم سابقا لهذه الحكومة والتي قبلها وسابقا أيضا لهذا النظام ، فمصطلح " البشمركة " مصطلح محلي قديم عرفته صحافتنا أواخر تسعينات القرن الماضي، لكن الغريب أن من يسميهم الكاتب متسولين كلهم أعضاء في رابطات ونقابات صحفية يتسابق كل منها للحصول على حظوة انتساب هؤلاء " المتسولين " لها، فلماذا تقبل النقابات الصحفية منتسبين متسولين..؟!
لكل حله الذي يراه، ولكل مشكلة أو ظاهرة مئات مقترحات الحلول، ولكل جهة سياسية برامجها وغاياتها وأهدافها ووسائلها لبلوغ تلك الأهداف، ومنها ما لا يري غير حله ولا يرضى بأقل منه، والأفضل عنده أن يكون ذلك الحل بسرعة فائقة ودفعة واحدة. وهذا ما تتبناه معارضتنا التي لا ترى حلا لما تعتبره " أزمات موريتانيا المتعددة " غير رحيل هذا النظام، حتى ولو عبر عن ذلك أحد الناطقين باسمها بلغة أهل منطقة عريقة وغالية من مناطق بلدنا وقال " بل الحل في رحيل حكومة التأزيم والتعطيل "..!
ذلك حلهم الذي يرونه وهو حق لهم، ولكن الحل الذي نراه هو مواصلة هذا المسار الذي دخلته موريتانيا منذ عشر سنوات كانت كلها حلا وحلولا لما تراكم قبلها من غياب رؤية، واستقالة من الشأن العام والهم الوطني و" سلامة " من الغيرة له وعليه. وبحكامة سياسية مغايرة أجمل ما فيها أنها تُزاوج بين عاملين ظلت المزاوجة بينهما مصدر تردد وتوجس في منطقتنا هما الحريات الواسعة ثم الأمن والاستقرار.. وبحصيلة مشرفة كبيرة ومكتسبات ثمينة على صعد أخرى خدمية وتنموية، وآفاق واعدة تأسيسا على تلك المكتسبات.
ولو لم تجد هذه العشرية موريتانيا في تلك الوضعية التي يعلمها الجميع، مما حتَّم الانشغال بوضع أسس ومقومات كان من المفترض أن تكون ال 50 سنة من عمر الدولة كافية لوضعها لكانت الحصيلة والمكتسبات أكبر بكثير.. ومع ذلك تظل المكتسبات كبيرة قياسا على حيزها الزمني القصير مقارنة، والحضور المعتبر للمجهود الذاتي للدولة الموريتانية في تحقيقها، ويظل الضامن لصيانتها وتعزيزها هو مواصلة المسار الذي لا نضع الأصبع على الطريقة التي سيتواصل بها، فحسبنا أن يتواصل بنفس الرؤية والنهج والطموح، ونكِل الطريقة التي سيتواصل بها ذلك المسار إلى أهل المسار، ونأتمنهم عليه ما بقوا عليه.. ولا نُنصب أنفسنا هنا متحدثين باسم الموريتانيين والحكم على خياراتهم دون الرجوع إليهم وأخذ آرائهم، فلم نطالب بمواصلة هذا المسار، علاوة على مسوغات مواصلته انطلاقا من مكتسباته ، إلا بناء على خيارات وتوجهات غالبية الموريتانيين التي عبروا عنها مرارا عبر استحقاقات تكتسي من المصداقية ما يجعلها مقياسا يُعتد به، خلافا لأخرى كانت تجري ولم تكن يوما تعكس خيارات أوتعبر عن شيء..
أما قضية العبور بالبلاد إلى ما يسمونه تحدي 2019 الذي يملئون به الصحف والصفحات.. وكأن الأمر يتعلق بعبور مثلث برمودا أو خط " بارليف " في حرب السويس، فلا مجال لتهويله إلى هذا الحد! فبلدنا ليس في مرحلة انتقالية ولا وضعية استثنائية ولاحالة طوارئ.. هناك نظام وفريق حاكم سيقدم مرشحا رئاسيا ويعرض نفسه ومواصلة برنامجه على الموريتانيين ليقولوا كلمتهم كما عُرض عليكم ذلك البرنامج مرات سابقة في رئاسيات ونيابيات قالوا فيها كلمتهم وكان آخرها قبل أسابيع، إن شاؤوا قالوا نفس الكلمة في 2019 وإن شاؤوا قالوا كلمة أخرى..
ومن الجهة الأخرى معارضة تسعى بدورها للمنازلة في هذا الاستحقاق بالطريقة التي تراها، بمرشح موحد كما تقول، أو بترشيحات متفرقة حسب ما يتفق عليه أطرافها، ولكن لا يجوز أو لا ينبغي لها أن تبدأ اليوم وضع والشروط والمتاريس هذه المرة أيضا أمام ستحقاق كغيره من الاسحقاقات منذ عقد من الزمن والحوارات تجري والتحسينات تترى على آليات وضمانات إجرائه، دُعيت المعارضة مرارا للمشاركة في تلك الحوارات ووضع تلك الآليات فكانت هي من يرفض؟ أو لم تكن نتائجها وحصيلتها في آخر استحقاق مشجعة للتقدم لاستحقاق قادم لا ترضى بأقل من الفوز فيه؟ ذلك كله لم يكن ذنب آليات ولا ضمانات العملية الانتخابية، وإنما كان كلمة وخيارات الموريتانيين الذين هم أيضا من سيتقدم إليهم الجميع في 2019!