نحتاج البناء الثقافي لا التجيش الخرافي / باب ولد سيد أحمد لعلي

ربما كانت هذه اللحظة أكثر من ما سبقها تتطلب وطنا ووعيا اجتماعيا به شامل دون استثناء ، فقط لأن السفينة يبدو مسارها عَسِرٌ ومقلقٌ بعض الشيء في موريتانيا لتنافر الركاب وتصويب أهدافهم لشيء واحد هو الريادة ، ومن الطبيعي أنها لن تكون إلا لواحد فحق للآخرين منطقيا بما يتطلبه ذلك الوعي الوطني المفقود الذي نحن نبحثُ عنه أن يبحثوا عن أماكنهم المناسبة في السفينة لكي نضمن وصولها إلى بر الأمان ...

المشكلة التي نعاني منها هي الخلط كثرا بين القضايا السياسية والاجتماعية واستخدام كل هاذين المجالين لمصلحة بعضهما البعض عن قصد أو غير قصد ، فالمسؤول إذا وصل سدة القرار يبحث عن قبيلة وعن مجتمع ، والمجتمع إذا أحس بالضيق واشتد فقره يبحثُ عن مسؤول في الدولة أو وظيفة ، مما يعني من جهة حضور البنيات التقليدية بقوة في المشهد السياسي رغم تواجد المؤسسات الحديثة والتي تتمثل في الحزب والهيئة أو المنظمة الغير حكومية المسموح لها أن تكون واسطة مدنية بين الفرد والدولة أو على حد تعبير "هيغل" بين الأسرة والدولة ، ومن جهة أخرى تعني أن القبيلة بقوتها تتواجد فقط في الوقت الراهن وتُظهرُ القوة بحثا عن مغانم الدولة ومآربها.

لكن بعيدا عن تمفصلات تلك المؤسسات التقليدية أو العصرية ، يحقُ لنا نحن أن نتساءل عن الوطن أين هو؟ وأين يسير ؟ وماذا علينا أن نفعل لكي نحصن الوطن من الضياع؟

على المستوى الاجتماعي فإن أكبر نكسة مرت عليها البلاد أو اجتاحتنا عنوة ونحن غافلون ، أن الوطن تشكل واقعا قبل أن يتشكل في الأذهان وهو أمر أدى بالنخبة التي حملت اللواء أن تسعى إلى كسر العدم وإثبات الذات والتشكل قبل أن تهيئ العقلية الجمعوية له ، والحقيقة أن تلك العقلية لا تزال إلى حد الساعة غير مهيأة له وقد اضطرب الوعي كثيرا بفعل تزاحم الميدان بفاعلية مؤسسات عدة منها العصري الذي فرض علينا فرضا بحكم التبعية العالمية ، ومنها التقليدي الذي يعبر عن ذاتنا نحن المضطربة والتي لا تستطيع التكيف مطلقا مع المؤسسات العصرية إلا بالقدر الذي تستطيع من خلاله المحافظة عن تواجد الأخرى التقليدية بفعل تشكلها في الأذهان ورفض أي واقع مخالف لها.

أما على المستوى السياسي ودون الرجوع إلى تاريخ السياسة الوطنية ومؤسساتها الحزبية في موريتانية منذ الشعب إلى التعددية الحزبية ومخلفاتها التي لا زلنا  نعيش جونب عدة من تداعيات فرضها، وبالاكتفاء بالوصف الموضوعي الذي من خلاله نسعى إلى أن نبين الفهم السياسي أو الوعي السياسي للمواطن البسيط المتابع للشأن العام، فإن الناظر إلى الوضع السياسي الموريتاني والقارئ لآراء من له رأي على منصات التواصل الاجتماعي ، يجد نفسه أمام أمرين اثنين لا ثالث لهما:

 الأول يفيد بأن الشرف والعزة والشهامة بما تحمله من معاني كلها لا توجد في غير التصريح بمعارضة النظام القائم على علاته وإيجابياته دون الاكتراث بأي شيء مجدٍ وشخصنة الأمور والنيل تجريحا من أعضاء النظام واعتبارهم عدوا أولا للشعب ومجرمون لا يؤتمن لهم جانب ، وعلى خلاف ذلك يرى النشطون على شبكات التواصل الاجتماعي والتي باتت تساهم بشكل كبير في صناعة الرأي العام المحلي وتوجيهه أن من يقول لا ويعارض السلطة بأي شكل من الأشكال تنضوي على شخصه كل تلك الصفات الحميدة ، وهو أمرٌ رغم إيجابيته في بعض الأحيان فإنه يشوش على الحقائق ويخفي طبيعتها .

والنتيجة كلامٌ كله في السياسة وتغيبٌ مطلقٌ للقضايا الفكرية والتربوية لما لها من إيجابية أكثر ولما قد يحققه الاهتمام بها وتنميتها في الواقع من تغير في السلوكات والفهم العام والاهتمامات المشتركة ، بالإضافة إلى حصر الفاعلين ومن له رأي في خندق ضيق لا وسط له ، وهو أمرٌ له في غنا عنه كثيرا.

فكيف تبعا لذلك نصع من الاختلاف منهجا تكامليا؟ ، ومن الفوضى نظاما ؟ ومن المجتمع سلما سليما لتقلد ممارسة الفعل السياسي وتقلد المناصب الإدارية؟.

والحقيقة فإن الأمر يحمل من البساطة ما يحمل من الصعوبة والتعقيد ، رغم ضروريته في مجتمع تغيب فيه بشكل مطلق مسألة الاندماج رغم توافر العوامل الطبيعة لذلك وتواجد الشرائح على اختلاف تمفصلاتها المركبة في مجال جغرافي واحد .

فما الذي يفيد لو أصبح الجميع سياسيا ويتكلمُ في السياسة؟ ، غير أن يبقى المجتمع على حالته هذه ، مشتتٌ حدّ التماهي والاختلاف بين الجديد والعتيق ، وبين السياسية والتسيس ، دون نمو عقلي ، وبين كذلك الطمع والطموح الجامح دون مسلمات ، فإذا انتجنا أنتجنا بعقلية مريضة ، وإذا بقينا نتفاعل داخل البناءات الاجتماعية العديدة والمتشابكة بقينا دون وعيٍ سليم يسمحُ لنا بتفادي الأخطار الجمة والعمل على تجسد النضج والمسؤولية في سلوكياتنا .

فلا يعني المجتمع في غالب الأحيان الدولة وإذا لُمنا حاكما في شيء يجبُ علينا أن نظر إلى البيئة التي أخرجته ، لكي يتسنى لنا الوقوف على المعضلات وحلّ المشكلات

والحقيقة أننا بعد أن أوغلنا في توصيف المشكل فإن الحل لا يتطلبُ أكثر من الاهتمام بالمجتمع أولا ككل واحد دون تميز وذلك لا يتم أيضا إلا بإصلاح التعليم وتجاوز قضية إزدواجيته بالعدول عن أي اللغتين والاعتماد على واحدة ، وعمل المؤسسات العصرية بكل أنواعها على تحصين المجتمع بدل تجيشه سياسيا هكذا .

فمشكلتنا مشكلة فكرية بالدرجة الأولى يجب أن نجسد الدولة في أذهان النشء قبل أن نتركهم يساهموا في بنائها.

9. أكتوبر 2018 - 14:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا