إن من الخطإ البين تقديم قراءة لمشهد اتضح وانجلت خفاياه ووقف الكل على أدق حيثياته وكامل تفاصيله عكس مايراه المتبصر والحاذق المحايد..
لم تكن الانتخابات الماضية بدعا من التنافس السياسي؛ فلقد اتسمت هذه الانتخابات بحدة السباق ووفرة المتسابقين.. فكانت فريدة من حيث المشاركة-كما وكيفا- فشاركت أحزاب سياسية كثيرة كانت ترفع في الماضي شعار المقاطعة والرحيل، وشاركت أحزاب أخرى لأول مرة بحثا عن موطئ قدم في المشهد السياسي ولواذا بذلك من التلاشي والاختفاء بقوة القانون في حال العجز عن تأمين طوق النجاة الانتخابي..
لقد كانت انتخابات سبتمبر 2018 هي الأصعب من حيث التنظيم والأكثر منافسة والأظهر أهمية لكونها تشكل منعطفا حاسما ومؤشرا حقيقيا على تحديد مسار مابعدها.
إن مما لا يخطئه المتتبع للمشهد السياسي عموما ولوقائع الانتخابات تحديدا؛ هو جملة التغيرات التي خرجت بها هذه الانتخابات ومن أهمها حصول بعض الأحزاب السياسية الجديدة على التمثيل في البرلمان أو في المجالس المحلية والجهوية، واختفاء أحزاب أخرى كان لها ذلك في الماضي، وبالتالي اختفاء شخصيات سياسية وازنة في الطرفين الأيمن والأيسر، وظهور شخصيات سياسية أخرى وبالتالي تجديد الدماء بشكل عام وهو مايترجمه دخول تشكيل سياسي شبابي متنوع قبة البرلمان.
إن من الخطأ الكبير أن نقول أن الحزب الحاكم فشل في تحقيق أهدافه في كل من انواكشوط وانواذيبو وازويرات.. صحيح أن هذا الحزب شهد منافسة قوية في هذه الولايات وفي دوائرها الانتخابية؛ لكن النتيجة النهائية أثبتت النجاح مهما كانت قوة المنافسة؛ عكس ما ذهب إليه بعضهم في مقال"مؤشرات سقوط النظام.. " الذي خلا من الموضوعية في كثير من فقراته.
صحيح أن انواذيبو سجلت حالة جديدة،جديرة بالذكر "النائب، العمدة" وهذا له أبعاده ودلالته الكثيرة؛ التي منها على الأقل؛ المغالطات الكبيرة التي وقع فيها الحزب من بعض الفاعلين السياسيين هناك وعدم استعانتهم بل تجاهلهم لطاقات شبابية حزبية كامنة وهدرهم لجيوب الشعبية النائمة..!! لكن في المقابل حصول الحزب على المجلس الجهوي كما هو حال انواكشوط يعد إنجازا سياسيا كبيرا لأن هذه المجالس هي واجهة التأثير المستقبلي وهي القيمة الإضافية للمشهد السياسي عموما.
وفي ازويرات كانت النتيجة بالعلامة الكاملة-بغض النظر عن طبيعة التنافس- وترجم ذلك برئاسة النائب الأول عن المدينة للبرلمان في وضعيته الجديدة "الغرفة الواحدة" وهو حدث بالغ الأهمية والدلالة على مكانة الرجل داخل النظام ومحوريته بين أركانه.
من المستنكر تماما الدخول في تفاصيل شخصية قد يكون توظيفها بل وذكرها فقط يحتاج إلى التثبت والتبيان بعيدا عن اللهث خلف الشائعة والتمثل بعكس الحديث الشريف وعدم الاكتراث به "بحسب ابن آدم من الكذب أن يحدث بكل ماسمع"
مما لا شك فيه أن مهندس المرحلة الماضية *الوزير الأول* هو رجل الثقة الذي تميز بصموده ونجاحه في تنفيذ برنامج وإرادة السيد الرئيس بكل ثقة وثبات؛ الشي الذي تأكد مع الأيام وأثبت أن الذين أكثروا النباح والصياح ضد مسيرة الرجل قد أعياهم أكثر ذلك وبقى هو صامد رغم ماقيل وأحيك ضد الرجل، وظل الوفي المطيع للرئيس وخياراته وقراراته وهو ترجمة جلية لتمسك الرئيس به ومراهنته عليه في أحلك الأوقات وأصعب المراحل..
إن توظيف قضية مركز تكوين العلماء و جامعة ابن ياسين وما تلا ذلك يحتاج شيئا من التفصيل؛ نتفق جميعا على احترام العلماء سواء منهم من ساندوا النظام أو من هم عكس ذلك نحترمهم لعلمهم نقلدهم في كل ماهو جلي متضح الدليل وقد لا نتفق معهم في الرأي خاصة إذا تعلق الأمر بالسياسة في هذا الزمان؛ شأننا في ذلك شأن السلف الصالح في تعاملهم مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم؛ وهم أجل قدرا من علمائنا جميعا ولاننسى قولهم أن الصحابة "عدول في النقل مختلفون فى الرأي" فإذا روى الصحابي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استحضرنا قوله-عليه الصلاة والسلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وإذا أبدى أحدهم رأيه نتذكر قول الإمام-رحمه الله "كل كلام يؤخذ منه ويرد إلا كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم " أو كما قال- عليه الصلاة و السلام؛ كما أن تعاملنا مع شخص العلماء يختلف مع المؤسسات التربوية أو الدينية أو الاجتماعية، فتلك لها مسلكها الإداري وتبعيتها الفنية ولنا ثقة كببرها في أن حكومتنا الموقره ستتبع في ذلك المسار القانوني الذي يخدم الأمة الموريتانية بعيدا عن الاعتبارات الضيقة؛
وكلنا يقين بدا وختاما أن هذا الوطن يتميز بطيبة مواطينه مهما اختلفوا في الرأي والسياسة و المشرب الفكري والتوجه الفقهي وعلينا أن نعمل على تنمية هذه النقطة الإيجابية التي تميزنا عن كثير من شعوب العالم ونستثمرها في تغذية وتلطيف جو التلاقى الجامع بعيدا عن زرع الأشواك وايقاظ الفتن.