إن التعليم من أهم الأشياء في الحياة، فهو يعطي لصاحبه الكفاءة والخبرة التي تمكنه من النجاح في حياته. من هذا كان من الضروري إصلاحه ومراجعته استراتيجية ذلك الإصلاح إن وجدت أخطاء تعيقه أو تغير مساره الصحيح نحو التطور والازدهار.
فما هي أهم الإصلاحات التي قامت بها وزارتي التهذيب الوطني والتعليم العالي والبحث العلمي في مجال تطوير التعليم الموريتاني؟ و أهل راعت حقا هذه ا لإصلاحات خصوصية وبنية المجتمع الموريتاني؟ أم أنها كانت مستوردة من الغرب الذي بيننا وبينه فوارق كبيرة من حيث البنية الاجتماعية والمحيط الجغرافي؟ وكيف يمكننا الحصول على تعليم عصري نموذجي يتماشى مع بنيتنا الاجتماعية وخصوصيتنا كدولة من دول العالم الثالث؟
سنحاول هنا تسليط الضوء على جملة من الإشكاليات التي تعاني منها دول القارة الإفريقية والتي كان لها الأثر الكبير على بنية تعليمها، مركزين في ذلك على الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي انحدر منها كمواطن غيور على مصلحة بلده. ولعل من أبرز هذه الإشكاليات هي: الفساد ، وعدم الاستقرار السياسي ، وتدخل القوى الأجنبية وتنافسها في نشر ثقافتها في هذه الشعوب المغلوب على أمرها. هذه هي أبرز وأهم المشاكل التي نعاني منها نحن كدول من هذه الدول. وبعيدا عن إجمال الأمور، ومن باب توضيح الأشياء نرى أنه من الضروري توضيح جملة من المشاكل يعاني منها التعليم الموريتاني منذ عصور قديمة إلى يومنا هذا.
لا شك أن الحكومات التي تعاقبت على موريتانيا سعت إلى إصلاح، ولكن المشكلة تكمن في التقليد بمعنى أن كل حكومة تسعى إلى إتمام إصلاحات مستنسخ من الغرب تركتها سابقتها أو جاءت هي الأخرى بمثيلات لها من جديد. من هنا علينا أنفهم أن الغرب تطور بإصلاحات تتماشي مع خصوصياته ولم يأخذ من الوافد إلا ما ينفعه وتواءم مع خصوصيته.
ولسنا هنا بصدد سرد تاريخي لتلك الإصلاحات، وإنما سنحاول التعليق على بعضها وننوه بالبعض الآخر خصوصا التي أشرفت عليها الحكومة الحالية.
لاشك أن إصلاح 99 الذي اتخذ من مقاربة الكفايات منهجا لتجديد التعليم كان إصلاح ارتجاليا، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار ما ذكرناه آنفا زيادة على ذلك، هو إصلاح يتطلب الكثير من الآليات منا المادي والمعنوي التي تعجز دولتنا عن توفيرها، لذلك كانت نتيجته سلبية على نظامنا التعليمي.
كان هذا الإصلاح هو الشرارة التي دمرت بنية التعليم في بلادنا فهو نظام رائع وجميل ولكنه لا يصلح لبلد مثل بلدنا، ربما إذ أخذنا بجزئيات منه تتواءم مع خصوصيتنا كان ذلك أعطى نتيجة إيجابية أكثر تخدم تعليمنا.
وقد تميز النظام الحالي بحربه على الفساد وإدراج إصلاحات على التعليم منها: فتح قنوات إسلامية وإذاعات ومعاهد إسلامية ومؤسسات ذات طابع مهني وأخرى ذات طابع أكاديمي كجامعة لعيون الإسلامية وجامعة انواكشوط العصرية وغيرهما من مؤسسات التعليم العالي ذات الطابع العصري. ربما يكون هذا إصلاح على مستوى البنية التحتية وتغيير بعض المناهج والمسلكيات تماشيا مع متطلبات الحياة العصرية.
وبالنظر إلى مضامين الأشياء والبحث في عمقها فإننا بحثنا في هذه الإصلاحات ، فوجدنا أنها مهمة وضرورية لاستمرار التعليم في بلادنا، إلا أنه توجد أخطاء فيها يجب تصحيحها أو مراجعتها.
ومن أهم هذه الأخطاء ما يلي :
- القرارات الارتجالية التي تقضي بقيام إصلاح دون دراسة مسبقة
- تحديد السن في مجال التعليم وسنعود لهذه النقطة بشيء من التفصيلي في ما يلي
- عدم تحيين البرامج التعليمية لتتماشى مع متطلبات سوق العمل
- فتح بعض التخصصات التي لا تخدم سوق العمل و لا تتماشى مع خصوصية المجتمع الموريتاني
- تفاقم مشكلة التنظيم داخل كل مؤسسات التعليم في البلد.
- منح الطلاب المتميزين إلى الخارج خصوصا في سن المراهقة ( من الضروري تكوينهم في البلد وذلك بفتح مؤسسات تكوينية لهم ...)
- غياب العلاقات بين مؤسسات التعليم العالي والشركات الخصوصية من أجل الحد من البطالة
والتعليم حق عام لكل فرد ، وقد حث الله - سبحان وتعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم- على ذلك. فقال تعلى ( أقر باسم ربك ...)، وقال صلى الله عليه وسلم " من سلك طريقا يلتمس فيه علما ...". إذا كان الله وسوله لم يحرمان مسلما من طلب العلم فكيف بإنسان أن يحرم أخيه من طلب العلم لكونه تقدم به العمر. إن القرار الذي أقدمت عليه الحكومة الموريتانية والذي يقضي بتحديد السن في الشهادة، قرار خاطئ ولا يصدر عن ذو لب عاقل، ولا يخدم التعليم الموريتاني ولا يساهم في تطويره، بل يعتبر قناة للبطالة والتسرب المدرسي.
نعم يجب تحديد السن في قضية المنح لأن المنحة استثمار، ومن خصائص الاستثمار الفائدة خصوصا إذا كان الاستثمار في الكادر البشري الذي سيخدم الدولة في القطاع العام.
وانطلاقا من هذا فإننا نقترح على الدولة الرجوع عن هذا القرار القاضي بـ:
- تحديد السن لنيل شهادة الباكالوريا
- تحديد السن لنيل شهادة الماجستير
- تحديد السن لنيل شهادة الدكتوراه
- تحديد السن لولوج مؤسسات التعليم العالي.
ومن أجل إصلاح كل تعديل يجرى على ترسانة القوانين المنظم للتعليم في موريتانيا يجب مراعاة خصوصية هذه الشعب الكريم سواء كانت خصوصيته المحلية أو الإقليمية. كما نطالب كذلك بإجراء مؤسسة كبرى أو نظام ذكي يضبط العلاقة بين مؤسسات التعليم والشركات الخصوصية في البلد من أجل الحد من مستوى البطالة، إضافة إلى تحيين البرامج العلمية للجامعات والمعاهد، وإدراج تخصصات تخدم سوق العمل وتساهم في إدماج الشباب في الشغل، كل هذا وغيره من الإصلاحات الجيدة التي تتلاءم مع خصوصياتنا تمكننا من الحصول على تعليم نموذجي عصري يخدم مجتمعنا ويسير بدولتنا نحو التطور والازدهار.