من أجل صحافة جادة / عبد الفتاح ولد اعبيدن

موجز تجربتى فى ميدان الإعلام المستقل يتلخص فى المصاعب و المخاطر المتنوعة و قليل من الترغيب ، لمحاولة ارتهان الخط التحريري !.فى مطلع الثمانينات بمدينة أطار العريقة ، لامست جانبا واسعا من هذه الصحافة الحرة الجريئة .طالعت و راسلت و كاتبت صحفا كثيرة فى مواقع شتى من العالم .جاء ضمن تلك الصحف الكثيرة ،الصحافة القومية ،الوطن العربي ، و مجلة العربي ،الصادرة فى الكويت ،و صحف البعث العربي الاشتراكي ،خصوصا إبان الحرب العراقية -الايرانية ،كما كان لصحافة القذافى حضورا قويا  فى مدينة أطار من خلال فرع المركز الليبي هناك ،و كانت الصحافة الفرانكفونية حاضرة هي الأخرى ،مثل صحيفة jeune afrique و غيرها كثير ،و كان انهماكى و انشغالى  أكثر بالصحافة الاسلامية بجميع مدارسها الموجودة وقتها فى العالم دون استثناء تقريبا . كنا نؤجر ضمن تجربتنا الخاصة فى ساحة الصحوة الإسلامية المباركة أربعة صناديق بريدية : ٥٧،٥٥،٢٣،٣٨.كانت ترد إليها عشرات الصحف المتنوعة .على ما أذكر ،الأخبار ،التى يصدرها وقت ذاك الاتحاد العالمي للطلبة المسلمين ،الدعوة،المصرية،الناطق الاعلامي باسم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ،النذير ،التى يصدرها تنظيم الإخوان المسلمين بسوريا ،الرائد ،التى تصدر بألمانيا ،الشهيد ،التى تصدر بايران ،الطليعة من بريطانيا ،الإصلاح من الامارات العربية المتحدة ،المجتمع و البلاغ من الكويت ،المسلم من لاهور بباكستان ،المجاهد التى كانت تصدر فى مدينة كويتا الحدودية ،حول المستجدات اليومية للجهاد فى أفغانستان ضد المحتل الروسي ، الجودى من أمريكا كان يصدرها الحزب الإسلامي الكردساتني و  مجلة الدعوة التى كانت تصدر فى ليبيا ،و غيرها من الصحف و المجلات من مختلف أطراف العالم الفسيح الهادر المتموج وقتها ،بمختلف الأفكار و النحل و الأديلوجيات . كما وصلتنى أعداد من الشعاع التى تصدر عن المعهد العالى للدراسات و البحوث الإسلامية بنواكشوط .ثم التحقت بالعاصمة ،و مع مطلع التعددية كنت أكتب فى الصحافة العربية الحرة ،الناشئة و المأذونة رسميا بموريتانيا ،ثم حصلت على رخصة "الأقصى"،كجريدة مكتوبة .تم ذلك عبر وصل من وزارة الداخلية فى مايو ٢٠٠٠، و صدر العدد الأول منها يوم ١٩ إبريل ٢٠٠١.و هي الآن فى ألفيتها الثانية،لله الحمد و المنة،بعد تجربة مريرة بحق .اكتنفتها مصاعب جمة و مخاطر، بمعنى الكلمة ، تجاوزتها بفضل من الله و حفظه . كان من بينها محاولات كثيرة و متنوعة للتأثير على خطى التحريري و مساري الصحفي الخاص ،ما بين الترهيب بالاعتداء و محاولة الاغتيال و السجن فى الداخل و الخارج .و تلك لعمرى قصة طويلة، و حرصا على حياتى ،ثمة ما لا داعي لنشره إطلاقا، و لكن بعض الخواص يعرفونه احتياطا .حفظنا و إياكم الرحمان الرحيم اللطيف الخبير .و باختصار ممارسة خط تحريري جاد محايد صادق متجرد مستقل ،لا يخضع لإملاءات أي جهة ، من أخطر  المهن فى العالم كله و الوطن العربي بوجه خاص !!! .ومن أجل صحافة جادة فاعلة و خادمة بصورة صادقة للدولة و المجتمع لابد من الحرص على مسار الحق و الصواب و الموضوعية فحسب . لأن هذه الصحافة الموضوعية الصارمة ،عنوانها و شرطها الأول،التشبث بالحق  وحده ، و فى المجالات و الميادين  المختلفة المتنوعة ،سواءا كانت سياسية أو أمنية أو  انتخابية أو  نقابية أو اجتماعية أو  اقتصادية أو  رياضية أو فنية ،أو على الصعيد الداخلي أو الخارجي . فتعريف الصحفي فى قانون الصحافة الموريتاني، يمنحه الحرية الكاملة و الحصانة  الكاملة فى الحصول على الخبر و معالجته : "الشخص المخول بالحصول على الخبر و معالجته دون ضغوط أو مخاطر " . فالإعلام وظيفة و أمانة كبيرة و ليس إضافة شكلية تجميلية ، فارغة من الأهداف و الغايات الكبيرة النافعة الخادمة للجميع،بصورة متوازنة ،بعيدة من التمييز و المبايعات المغرضة الضيقة الأنانية ، على حساب الخط التحريري الحقاني العادل ، مهما كان الثمن باهظا مكلفا . و لنضع دائما نصب أعيننا رضوان الله و الضمير المهني ، و هو إن شاء الله جزء من رضوان الله، بإذن الله . أما فى موريتانيا فربما يحتاج تقييم تجربة الإعلام المستقل ، إن صح  الإطلاق، إلى مجلدات عديدة . و إن كان للصحافة الحرة أصدقاء برءاء كثيرون ،مغرضون أو مرغمون، بحكم المصالح أو تفادى المخاطر أحيانا ، إلا أن الأكثرية -رسميا و شعبيا على السواء - لا تنصف حتى الأقلية الجادة من الصحافة، و لا تشجعها بالاعتراف بجهدها على الأقل، رغم الظروف و الأجواء الطاردة غير المساعدة ، و التى تهب من كل جهة و من كل فج عميق !. فالصحافة إما أن ترضخ للإملاء و التوجيه غير الموضوعي ،و إما أن  تتشبث بعروة الصدق و العدل ،فغالبا ما تضايق و تدفع الثمن حينها . الصحافة لا تقل  أهمية ، إن صلحت ، عن وظيفة الطب و القضاء و التعليم ، و غيره من الوظائف المحورية  الحساسة !. فنشرالأخبار الكاذبة أو التقويمات و التحليلات المجاملة الخاطئة ، مضلل و مضر بالرأي العام و العكس صحيح . و حين تكون المهنة الإعلامية مخنوقة و مخترقة و مستهدفة ، فذلك مؤشر ضعف الديمقراطية و تعثر مشاريع التنمية و عدم الاستقرار،لا قدر الله . و فى الوقت الراهن ، مازالت الاشتراكات والإعلانات مقطوعة على مستوى القطاع العام عن الصحافة الحرة ، بأمر من الرئيس ، وفق تصريحه شخصيا فى مؤتمره الصحفي الأخير ، كما أن عقوبة سجن الصحفيين عادت للواجهة جزئيا . لكن الحرية تفرض نفسها فى موريتانيا بحكم الطابع الفطري لهذا الشعب . فكلما التقى إثنان ، سأل أحدهما الآخر "اشطارى " !.أما مهنة الصحافة الحرة رغم أنها تفرض نفسها ، إلا أن النظام القائم تركها كالمعلقة ، لا هو بترها و قطعها نهائيا و لا هو شجعها و دعمها ،بما يليق بمنزلتها المفترضة نظريا !.

18. أكتوبر 2018 - 0:12

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا