الحديث في (المادة 73) من الدستور عن دورة برلمانية باسم "دورة نوفمبر" حين نصت على:" يقدم الوزير الأول سنويا، في دورة نوفمبر، تقريرا للجمعية الوطنية حول نشاط الحكومة للسنة المنصرمة ويعرض الخطوط العامة لبرنامجه للسنة المقبلة"، مناقض للنص الصريح والحصري في (المادة 52 جديدة) على دورتين عاديتين في أكتوبر وإبريل:" يعقد البرلمان وجوبا دورتين(2) عاديتين كل سنة، تفتتح أولاهما في أو يوم عمل من شهر أكتوبر والثانية في أول يوم عمل من شهر إبريل ولا تتجاوز مدة كل دورة أربعة (4) أشهر".
مسألة غاية في الغرابة أن تحمل الوثيقة التأسيسية لأمة مثل هذا التناقض، لكن الأغرب من ذلك هو عدم كشف مثل هذا التناقض أو في الحالة الأخرى عدم إثارته، رغم مضي أكثر من ست سنوات على صدور التعديل الدستوري الذي ترتب على إقراره قيام التناقض، حتى يصار إلى رفعه لمحو التشوه الذي يلحقه بالدستور!
هذا الخطأ الجسيم ليس إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد:
تمديد السلطات لأمد غير معلوم!
1- الواقع أن التأريخ لحدوث التناقض هو المدخل لمحاولة تقديم تفسير لتلك المفارقة؛ فالمادة 14 من القانون الدستوري رقم 2012-015 الصادر بتاريخ 20 مارس 2012 وهي تنص على أنه:" تدخل الأحكام المنصوص عليها في المواد 7 و8 و9 من هذا القانون الدستوري حيز التنفيذ فور الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المقبلة للتجديد الجزئي أو الكلي للغرفتين " ، قد أقرت أن لا يكون إنفاذ تعديل موعد الدورات البرلمانية العادية وفق الصيغة الجديدة للمادة 52 قبل إعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المقبلة للتجديد الجزئي أو الكلي لمجلس الشيوخ والجمعية الوطنية. على ذلك، فإنه وبالرغم من وجود المادة 52 بصياغتها الجديدة في جسم الدستور، إلا أن مضمونها قبل التعديل هو الذي ظل نافذا:" يعقد البرلمان وجوبا دورتين عاديتين كل سنة. افتتاح الأولى منهما في النصف الأول من شهر نوفمبر..."
2-لم يكن في الحسبان أن يستمر تعليق إعمال مقتضيات التعديل الدستوري كل هذه المدة -من صدوره في 2012 حتى إعماله في 2018 قرابة مأمورية برلمانية كاملة -لم يكن متصورا؛ لأن التجديد الجزئي والكلي لغرفتي البرلمان كان حالا أو يكاد.
3- تأخير التجديد الجزئي لغرفة الشيوخ جعل( المادة 73 ) تظل منسجمة مع باقي مواد الدستور، بل بدا في الإبقاء عليها بعد نظر حين تأخر التجديد الكلي أو الجزئي لغرفة مجلس الشيوخ، الذى عاش بسبعة أرواح وأسقط قبل مشروع التعديل الدستوري الدستور نفسه ؛ حين استمر أعضاؤه باستثناء الفئة (أ) التي طالها التجديد في مايو 2009 ، في شغل الوظيفة النيابية من انتخابهم في يناير2007 إلى 15 أغشت 2017 رغم صدور مراسيم الدعوة لتجديد غرفتهم منذ الدعوة لتجديد الفئة (ب) بتاريخ 24 إبريل و1 مايو 2011، إلى الدعوة التي حملها المرسوم رقم 2014 – 208 بتاريخ 31 ديسمبر 2014 للتجديد للفئتين (ب) و(ج) في مارس 2015 ، إلى قرار المجلس الدستوري( 001/2016/ م.د) بتاريخ 11 فبراير 2016 الذى "وجه الحكومة " ! لتجديد كل فئات غرفة مجلس الشيوخ، حتى الغي المجلس بموجب القانون الدستوري الاستفتائي رقم 2017-022/ رج ، الصادر بتاريخ 15 أغسطس 2017.
4-طيلة تلك الفترة ظلت الدورة العادية الأولى للبرلمان بتاريخها القديم؛ أي "النصف الأول من شهر نوفمبر" ما يستدعى الاحتفاظ بصيغة "دورة نوفمبر" الواردة في (المادة 73).
وهكذا استمرت الدورات العادية للبرلمان تفتتح في النصف الأول من شهر نوفمبر والثانية في النصف الأول من شهر مايو حتى الدورة الثانية للسنة البرلمانية 2016/2017 التي افتتحت يوم الإثنين 08 مايو، واختتمت يوم الخميس 06 يوليو 2017.
اختيار توقيت إعمال المقتضيات!
5-بعد المصادقة على مشروع القانون الدستوري الاستفتائي الذي ألغى غرفة مجلس الشيوخ في 15 أغسطس 2017 عمد في السنة البرلمانية اللاحقة 2017/2018 إلى تفعيل مقتضيات (المادة 52 جديدة)، فافتتحت الدورة العادية الأولى بتاريخ الإثنين 02 أكتوبر 2017 واختتمت يوم الأربعاء 31 يناير 2018، وكذلك افتتحت الدورة الثانية يوم الإثنين 02 إبريل واختتمت في الثلاثاء 31 يوليو 2018.
بالعودة إلى المادة 14 من القانون الدستوري 2012-015 وتحديدا أحكام المادة 8 من ذلك القانون التي تنص على أنها تدخل حيز التنفيذ فور الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المقبلة للتجديد الجزئي أو الكلي للغرفتين، نجد أن أيا من الشرطين لم يتحقق بالتزامن مع المصادقة على القانون الدستوري الاستفتائي:
- فما حصل لمجلس الشيوخ ليس تجديدا بأي نوع من المجاز!
- أما انتخاب جمعية وطنية جديدة، فباستثناء انتخابات نوفمبر وديسمبر 2013 السابقة لم تعرف البلاد قبل استحقاقات الفاتح تجديدا للجمعية الوطنية. فعلى أي أساس تم اختيار لحظة تفعيل تلك المقتضيات؟
نوفمبر أيضا!
6-المادة 68 من الدستور هي الأخرى ظلت تنص على" نوفمبر" ولو بطريقتها:" يقدم مشروع قانون المالية إلى الجمعية الوطنية أول يوم إثنين من شهر نوفمبر كأجل أقصى..."، فحتى لو كان "إثنين" نوفمبر جاء كأجل أقصى فهو يذكر بصيغة "فور دورة نوفمبر" التي صيغت بها المادة 68 من الدستور عند صياغتها أول مرة في 20 يوليو 1991.
الحرص على عدم التجديد!
7-ليس نوفمبر وحده ما يلفت الانتباه للمادة 68، بل تمسكها بتكريس تعقيد وتطويل إجراءات المصادقة على مشروع قانون الميزانية وكأن البرلمان مازال بغرفتين ف ال 60 يوما التي أصبحت فترة للمصادقة المتوازنة على الميزانية هي حاصل ال 45 يوما التي كانت للجمعية الوطنية زائدا ال يوما 15 التي كانت لمجلس الشيوخ.
وال 15 يوما التي يجب على الحكومة أن تحيل فيها مشروع قانون الميزانية إذا لم يصوت على الميزانية ومتوازنة خلال تلك ال 60 السابقة هي ال 15 نفسها
وللجمعية أجل ال 8 أيام الذي كان لها قبل تعديل المادة 68 والغاء مجلس الشيوخ للمصادقة على الميزانية، وإلا أصبح للرئيس إقرارها بأمر قانوني على أساس إيرادات السنة المنصرمة.
نوفمبر 2018:
يجب أن يحصل برنامج وزير أول وحكومته على ثقة برلمان الفاتح قبل أول يوم إثنين منه، فليس للبرلمان أن يتفاعل مع حكومة لما تنل بعد ثقته وليس للحكومة أن تؤجل تقديم قانون الميزانية عن ذلك الاثنين.
بداية نوفمبر كذلك تعنى تلقائيا أن يحل خلف الوزيرة النائب محلها في الغرفة البرلمانية.
أين الدستور؟
8-لم تنجز حتى اللحظة نسخة منقحة مندمجة من الدستور، ولو أنجزت لظهر قبل الوصول لقاعدة جبل الجليد:
- أنه أصبح فعليا 101 مادة بعد الغاء المادة 63 ، ومؤكد أن حذف تلك المادة يرتب تغيير ترقيم مواد الدستور ... فتفقد كل مادة من المواد التي تأتى بعد المادة 62 رقما واحدا أو تحتفظ برقمها وبإضافة "سابقا" مع ما يرتبه ذلك في حالة المواد المحال إليها بأرقامها في مواد أخرى!
-التناقض أحيانا بين ما ورد في النسخة العربية والفرنسية