تقابلني على صفحات الفيس، المرة بعد المرة، مقولة "إن الديمقراطية مذهب سياسي وافد" وفي كل مرة لم أكن لأتوقف عند تلك المقولة، فهي مجرد تعبير عن حقيقة حضارية لا جدال فيها؛ لكن مهرجي الاستبداد، المستلبين للجبرية والانقلابات، المهووسين بطبول النحاس ورقصة النياشين الفاقعة على وقع المارش، قد اسرفوا كثيرا في ترديد هذه المقولة، وأعادوا شحنها أيديولوجيا، ثم اتخذوا منها شعارا، في محاولة مكشوفة يائسة بائسة، لإضعاف حجة وسند الساعين إلى إطلاق شعوب الأمة من أغلالها، وتمكينها من تدبير مصيرها، طبقا لخياراتها الحرة؛ فتطلب الأمر وقفة تأمل بسيطة، لكنها ضرورية!
تعني الممارسة الديمقراطية في عالم اليوم، تدبيرَ الشئون العامة لشعب من الشعوب، في دولة من الدول، طبقا لرأي الأغلبية، والاحتكامَ في ذلك إلى صناديق الاقتراع؛ وهي قبل أن تكون مذهبا وممارسة، تمثل مبدأ ساميا، وقيمة عليا، سماها القرآن الكريم {الشورى}، وجعلها سمة بارزة للمؤمنين، فأدرجها بين الصلاة والزكاة، في آية محكمة من سورة حملت اسمها (سورة الشورى)؛ فعندما تشرئب أعناق شعوبنا المقهورة بالحيف والاستبداد وطغيان الأسر الحاكمة والقيادات المنقلبة، فتطالب بالديمقراطية، فذلك لأنها ترى فيها أفضل طريقة لإقامة القسط بين الناس، كما أمر الله؛ فضلا عن كونها بضاعتها التي بددها السلاطين والجنرالات وورثتهم، وقد حان الوقت لردها إليها.
وإذا كان سلاطين الجور والاستبداد، منذ نهاية العهد الراشدي، وما نجم عن الفتنة الكبرى التي افتعلها الطلقاء وابناؤهم وأحفادهم، للاستئثار بأمر الناس دونهم، قد انتقلوا فأبعدوا النقلة عن الشورى، إلى ما أطبق الرواة من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين على وصفه- انكارا واستنكارا- بـ"القيصرية" و"الكسروية" فاستكرهوا بها الناس على البيعة والطاعة، وحملوهم عليها بالسيف، وتركوا ميراثها لأبنائهم وأحفادهم من المتسلطين، فاتبع فيها اللاحق السابق، طوال التاريخ؛ أفلا يكون من حقنا ونحن أخلاف الأخلاف من ضحايا تلك النماذج الوافدة من النظم الجبرية، في تلك العهود المظلمة المضرجة بدماء الأبرياء، أن نَهُبّ - سلما -لاستعادة حقنا في العافية في ظل العدل؟ وهل يحقق تلك المطالب المشروعة غير الديمقراطية؟!
أخيرا فإن المخلفين ممن يستلذون لوك الحديث الممجوج عن "المستورد" في تفاصيل حياة أهل بلادنا، بل وفي مشارق أمتنا المنكوبة ومغاربها، ليستحقون الشفقة، بحق، فهم إنما يفضحون أنفسهم ويجلدونها، ويجلبون لها الضرر المعنوي، من حيث أرادوا الإضرار بمن يعتبرونهم غرماءهم؛ ذلك أن وهم تقديم خدمة دعائية لفريق ما، عن طريق شعارات تستبطن الغمز واللمز في فريق آخر مستهدف، قلما يقود إلى النتيجة المبتغاة؛ ومن المؤكد أن الغامزين في غيرهم، بشبهة المستورد، في بلادنا على الأقل،هم مستهلكون- بنهم- لكل مستورد؛ فمن المستوردات ركوبهم ولبوسهم، ومنها يأكلون ويشربون؛ بل سلهم عن فرشهم ومساكنهم، وعن نظاراتهم ونعالهم؛ وذكرهم بحواسيبهم وهواتفهم الذكية، ثم ذرهم في خوضهم يلعبون.!