بين الواقع والمرتقب/ عبد الفتاح اعبيدن

لماذا ترى نحرص على تتبع دقائق و جزئيات الشأن العام المحلي، بوجه خاص ؟!.
باختصار ،بسبب الحرص على الاستقرار و التعايش الايجابي السلمي، بين مختلف المكونات و الدفع لإصلاح ما أمكن بإذن الله .فالمرحلة الراهنة، ضعيفة و حساسة و ملغومة، و تحتاج للتأكيد على ضرورة إجراء إصلاحات استعجالية شاملة ، من خلال محاولة رسم خطة إقلاع منقذ ،إن شاء الله .مع الأهمية القصوى لللتشبث بعروة الاستقرار، مهما كانت ثغراته ونواقصه.

إننا مثلا على مستوى العاصمة تحاصرنا الأوساخ من كل مكان، وخاصة في مقاطعات الميناء وعرفات ولكصر!

ولا تكاد الحمى الغامضة تتوقف في العاصمة وازويرات وروصو بوجه أخص، وفي غيرها من نقاط الوطن ، على مستويات متفاوتة.

كل هذا وسط الشكوى من الحاجة والفقر والغبن والمحسوبية في تسيير الشأن العام، مقابل دعاوي في صفوف بعض الموالين تدعي تضافر الانجازات المتنوعة في كل مجال.

وبسبب خلافات اجتماعية بسيطة أحيانا، وبسبب شيوع استخدام الخمور والمخدرات في بعض الأوساط المهترئة أخلاقيا وقيميا، نسمع عن حالات طعن وذبح وقتل من حين لآخر، لا تكاد تتوقف، للأسف البالغ!

أما في الخانة السياسية، وقبل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في يونيو 2019 (الشوط الأول 15 يونيو – الشوط الثاني 30 يونيو).

فتتضافر نذر الصدام ودواعي الحث والحض على التشبه بعروة الاستقرار.

إن وجود البعض في صف الموالاة، وتخندق آخرين في جانب المعارضة، قد لا يعني حتمية الاحتكاك الخطير في أي وقت.

وينبغي أن أقولها بكل وضوح وجلاء وصراحة، إن أعز ما نملك هو العافية والاستقرار، مهما كانت النواقص في أي مجال، لكن المهتمين بالشأن ، العام سواء كانوا سلطة أو معارضة أو ما بينهما، جديرون بتوخي كامل الحيطة والحذر، خصوصا في هذه المرحلة.

فما قيمة تمرير مأمورية ثالثة (دستوريا وانتخابيا) لصالح الحاكم الحالي، ثم يعقب ذلك انقلاب غير مستعبد، من قبل ربما ضباط من ذوي الرتب المتوسطة، أو يعقبها اضطراب، يتلوه اضطراب، قد يفضي إلى فشل مشروع دولة الجمهورية الإسلامية الموريتانية وتفخيخ المجتمع تدريجيا؟ّ!

ومن وجه آخر، ما قيمة الصدام مع السلطة الراهنة ، بسبب الرفض المتشنج المفتوح لتعديل الدستور مرة أخرى، عن طريق الجمعية الوطنية أو الاستفتاء؟!

فإن كان للمعارضة دستوريا وديمقراطيا الحق في الرفض والاحتجاج، فينبغي أن يكون ذلك في حيز القانون والتعقل والتحسب، لتفادي مخاطر أكبر وأفظع من تمرير المأمورية الثالثة.

إن وضعنا العمومي في أكثر من مجال يستدعي اللجوء السريع للحوار بين جميع مكونات المسرح السياسي والنقابي والإعلامي والجمعوي، عسى أن نرسم خطة مشتركة ، لتجاوز خطر احتمال إقدام البعض على العبث بالدستور مرة أخرى واحتمال إقدام البعض الآخر على رفض مطلق غير حذر، لهذا المشروع المغيظ، على رأي البعض.

ومهما كان التكتم ووجود احتمالات وسيناريوهات أخرى، بالنسبة لقصة ولد عبد العزيز مع كرسي الحكم، فإن الاحتمال الأرجح في نظري ، هو إصراره على البقاء ومحاولة تمرير ذلك، عن طريق تعديل دستوري بالدرجة الأولى على مستوى الجمعية الوطنية، وفي المقابل سيندلع الرفض المشروع على نطاق واسع، في الإعلام والساحة السياسية والشارع العام.

فهل ننتظر حتى وقت حلول التأزم والصدام المخيف، أم نلجأ فى الأشهر القليلة القادمة لمحاولة تفادي الصدام المرتقب بأي ثمن ، لا يوصلنا إلى مرحلة الحرب الأهلية والانقلابات والعنف المفتوح، لا قدر الله.

ومن وجه آخر، فإننا في غنى مهما كانت الظروف عن الانقلابات من أي مستوى، فلا شك أن دوامة الانقلاب ثم الانتقال، لم تفض بنا لمخرج نهائي نحو الحياة المدنية التناوبية المريحة ، ولو نسبيا.

فالعسكر أجدر بهم الاستقرار والانضباط والابتعاد عن المحاولات الانقلابية المدمرة المرهقة الممزقة، مهما كانت الدواعي، والمدنيون المشتغلون بالشأن العام إلى جانب العسكر الممسكين بتلابيب الحكم، مدعوون أكثر من أي وقت مضى، للتأمل في هذا الإشكال المتعلق بطاولة الحوار والتناوب والدستور والمآلات السياسية المصيرية الملحة.

فرئاسيات 2019 قاب قوسين أو أدنى، والمعارضة الوطنية الديمقراطية قدلا يكفيها النزول للشارع فحسب، لإبطال مفعول المأمورية الثالثة المثيرة للجدل، والمحتمل طرحها على رأي خاص على احتمال راجح.

كما أن الواقع المؤلم الذي نعيشه، من أوساخ مسيطرة على العاصمة وحمى مزمنة وفقر وغبن وتحديات مختلفة وانتشار وتفشي ظاهرة القتل العشوائي وتزايد الإقبال على الاقتراع لصالح المعارضة، كل هذا يعني أن القوة السلطوية الغاشمة لوحدها قد لا تكفي أحيانا للاحتماء من مخاطر التفلت!

اللهم سلم سلم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

25. أكتوبر 2018 - 1:25

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا