الطاقات المتجددة والتحول الطاقوي / محمد ولد محمد عال

الطاقات المتجددة (Energies renouvelables) هي تلك الطّاقة المستمدة من مصادر طبيعية متجددة (مستدامة)، عكس الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي، و الطاقة النووية. وتتميز  الطاقات المتجددة بعدة مميزات من أهمها النظافة من الغازات الضارة التي تسبب الاحتباس الحراري كثنائي أكسيد الكربون ( (Co2. فهي إذن طاقة نظيفة صديقة للبيئة، ومنسجمة مع المعايير الطبيعية، للحفاظ على اعتدال المناخ، وصموده أمام الاختلالات الخطيرة التي تواجه كوكب الأرض.

ويمكن الحصول على هذه الطاقة انطلاقا من عدة مصادر طبيعية مثل الطاقة الشمسية Energie solaire، أي باستغلال الأشعة المنبعثة من أشعة الشمس. والطاقة المائية Energie hydraulique  ، والطاقة الهوائية Energie éolienne وذلك باستغلال الحركة المائية والهوائية وتحويلها إلى طاقة كهربائية، وفي بعض الأماكن يمكن استخراج الحرارة الجوفية للأرض،Géothermique  واستغلالها كذلك في نفس الغرض، ولتوليد الغاز الطبيعي من مصادر متجددة، Biogaz يتم استغلال الكتلة الحية Bioénergétique،  الاستخراج الغاز  بكميات كبيرة في بعض الأحيان.

وأكدت الدراسات المتخصصة أن هذه المصادر  يمكن أن توفر أضعاف حاجة العالم من الطاقة والوقود، خلال العقود القادمة، خصوصا مع تطور التكنولوجيا اللازمة الاستغلالها وتخزينها بكميات كبيرة. ويشكل انخفاض تكلفة مصادر إنتاجها في الأسواق العالمية، خصوصا الطاقة الشمسية، عاملا مهما للإقبال على استخدامها، سواء على مستوى الشبكات الكبيرة أو الاستخدام الخاص.

وكانت اللجنة الدولية للمتغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة قد خصصت تقريرها لعام 2007 للتأكيد على أهمية اعتماد الطاقات المتجددة وتشجيع استخدامها بدل الطاقة الحرارية (النفط والفحم)، وأكد التقرير على ضرورة تشجيع الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة، للمساهمة في "التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والوصول إلى الطاقة، وتأمين إمدادات الطاقة، والتخفيف من آثار تغير المناخ، والحد من الآثار البيئية والصحية السلبية".

كما أن النمو الديموغرافي  المرتقب في العقود المقبلة (3 مليارات في أفق 2060) وتسارع وتيرة المجال الصناعي سيضاعفان الطلب على الطاقة والوقود في استخداماتهما المختلفة، وهو ما يجعل إشكالية "الأمن الطاقوي" أكثر إلحاحا في الخطط الإستراتيجية للتنمية المستدامة في العالم، حتى أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش اعتبر أن الدول التي تعاني من عجز في موارد الطاقة تواجه مشكلة في أمنها القومي. وبحسب إحصائيات "PICORP" فإن الاحتياطات العالمية من الوقود تفقد  سنويا من 3 إلى 4 مليون برميل، ما يعرضها لشبح النضوب بشكل أسرع، خصوصا مع ارتفاع وتيرة الطلب على هذه الموارد، إذ يتوقع أن يزداد نمو الطلب على الطاقة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بمعدل يصل 6 إلى 7 في المائة، أي مايعادل 117 جيكوات إضافية.

كل هذه العوامل البيئية والديمغرافية والأمنية والمالية، جعلت التحول إلى الطاقات المتجددة أهم أولويات الاستيراتيجيات لكل الدول والمنظمات العالمية، لتأمين مصادر جديدة للطاقة، تتميز بمعايير النظافة البيئية، والتجدد المستمر، والتوفر في كل مكان، فكانت الأزمة العالمية للنفط عام 1973 بداية فعلية للتوجه العالمي نحو استخدام الطاقات المتجددة كبديل للوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء، في عدة مناطق من العالم، وفي نفس العام انعقد مؤتمر اليونسكو في باريس تحت شعار "الشمس في خدمة الإنسان" ، لتتوالى الأنشطة الدولية والمنظمات الأممية الداعمة لهذا التوجه، على مختلف الأصعدة، الطاقوية والبيئية والإستراتيجية والأمنية، وهو ما نعكس إيجابيا على تطور هذا المسار في العقدين الماضيين.

وتسعى الأمم المتحدة في الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة إلى توفير الطاقات المتجددة في العالم بأسعار رخيصة، في أفق 2030، وسخرت لهذا الهدف أغلب خدمات برامجها وأنشطتها التنموية، كما أن أغلب الدول والمنظمات القارية وضعت خططا إستراتيجية لتطوير المزج الطاقوي في آجال متفاوتة، بالتعاون مع المنظمات الدولية والهيئات المتخصصة، والبنوك والمؤسسات الممولة، وبناء على هذا تتوقع الدراسات الاستشرافية أن يكون عام 2050 تاريخا مهما في مسار التحول الطاقوي، وذلك بالاعتماد على الطاقات المتجددة، بنسبة كبيرة.

لكن التحديات الجسيمة التي تنتظر هذا المسار، تستدعي مزيدا من حشد وتقوية الإرادة السياسية العالمية، خصوصا بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق باريس،  كما يتطلب توفير مصادر مالية كافية لتشجيع الاستثمار وتثبيت المصادر الطاقوية اللازمة، لتغطية الطلب في الفترة القليلة القادمة، وتقدرها الدراسات المتخصصة بـ 500 مليار دولار.

ويعتبر توفير هذه الموارد الضخمة من أكبر المعوقات التي تهدد التطور السريع لهذا التحول، بالإضافة إلى توفر المساحات الكبيرة والمناسبة لتثبيت محطات ضخمة للطاقات الهوائية والشمسية بكميات كبيرة مثل الصحراء الكبرى التي تتوفر فيها أشعة الشمس المركزة، والمناطق الساحلية، التي تهب فيها الرياح بسرعة عالية . لكن إشكالية التخزين تبقى أهم هذه التحديات، لأن مصادر الطاقات المتجددة، ليست مستمرة العطاء، وبالتالي يبقى الحديث عن التحول الطاقوي مجرد أوهام، قبل أن تتمكن التكنولوجيا من توفير تقنيات عالية الجودة لتخزين الطاقة، في محطات الطاقات المتجددة، لتوفيرها حين تغيب الشمس أو تتوقف حركة الرياح، أو ينخفض منسوب المياه، وبتجاوز التكنولوجيا لهذه العقبة، سيشهد العالم تنافسا حثيثا في مجال المزج الطاقوي، بتكثيف الاستثمار وتطوير تقنيات الإنتاج، من أجل طاقة خضراء و نظيفة، وبيئة آمنة ومناخ معتدل.

محمد/ محمد عال/ أكا

صحفي مهتم بمجال الطاقات المتجددة

[email protected]

 

25. أكتوبر 2018 - 1:33

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا