رسالة في نقد ونقض "الدكتاتورية الإدارية" / محم ولد الطيب

كانت للفيلسوف الإنگليزي توماس هوبس نظرة فلسفية تشاؤمية عن الطبيعة الإنسانية مفادها أن الإنسان شرير بطبعه، وأن إدارة شؤون بني الإنسان تقتضي  تسليم مقاليد الحكم لشخص كارزمي الشخصية يجمع في يده كل السلطات، يتنازل له الجميع عن حرياتهم، فيحكمهم وفقا لإرادته الخاصة، لغرض كبح جماح الشر والعدوانية المتأصلين في طبيعة البشر، ويبدو أن أرباب الإدارة وذوي المناصب  في موريتانيا قد استلهموا هذه التجربة الهوبسية(نسبة إلى هوبس) بحذافيرها إلا من رحم ربي، وما كنت لأتطرق لهذا الموضوع بهذه الصيغة "التشاؤمية" لو لا تجربة شخصية على مدى سنوات قادتني إلى قرع أبواب العديد من الإدارات الموريتانية  "الموقرة" إما ملتمسا حاجة أو مدفوعا بحكم الضرورة، راقبت خلال هذه الفترة سلوك وأداء شريحة كبيرة من أرباب الإدارة، فألفيتهم مختلفين في كل شيء لكن "الدكتاتورية الإدارية" وحدها تجمعهم إلى قلة القلة التي لا يعتد بها، وإني لأأسف حين تكون الإدارة الموريتانية أداة تكريس للدكتاتورية في شتى مجالات الإدارة، في الوقت الذي يتبجح بعض سدنتها بالسعي من وراء سلوكهم إلى المصلحة العامة والخير المشترك للمواطنين، فرب ساع إلى الإصلاح أفسد من حيث يزعم الإصلاح، ولعل سائلا يسألني: ما طبيعة وملامح هذه الدكتاتورية التي أتحدث عنها، أقول : إن دكتاتورية الإدارة الموريتانية دكتاتورية "عكسية" ومعنى ذلك أن الدكتاتورية في طبيعتها  تبدأ من الأعلى رتبة وتتناقص كلما انحدرت رتبة الإداري، أما في الإدارة الموريتانية في تصاعدية تشتد وطأتها لدى صغار الموظفين من أصحاب  الإدارة، دكتاتورية عمياء لاتفرق بين من له الحق ومن هو مطلوب به، فأن ينهرك أحدهم فهذا أسلوب يحل تلقائيا محل الترحيب بك، هذا فضلا عن النظرات الشزراء التي توجه إلى الزبون المتذلل في غير طاعة الله، والتي تجعله ينسى أو يتناسى حاجته أو ربما يلغيها. وأعظم مظاهر هذه الدكتاتورية حين ترى المسؤول أو المدير يخاطب زبناءه كأنهم عبيده أو أعداءه على أحسن تعبير، و إني لأستغرب من الإدارة في موريتانيا التي لايجتمع لك عندها تحقيق رغبتين، فلا تأتي راضيا إلا أدبرت ساخطا ولا فرحا إلا توليت حزينا من جراء المعاملة التي يعتبر وصفها بالسيئة تخفيفا لها،  ومن خلال هذه المعاملة الشحيحة تحسب المدير أو المسؤول- حين تراه يعامل زبناءه - يضمر لهم شرا يبتغي من جراء معاملته الانتقام منهم أشد الانتقام، فتراه يهين الكرامة ويجرح الكبرياء  وسط نشوة داخلية لا تقاس، والغريب في الأمر أنه يظن أن هذا النمط من السلوك الإداري هو مايكسبه احترام الناس وطاعتهم، ونسي أن الطاعة قد تأتي  أحيانا من الخوف ولكن الاحترام لا يأتي البتة إلا من الحب، وأنه هو نفسه لا يملك إلا سلطة شكلية عابرة تم تضخيمها من طرفه فاسحالت إلى دكتاتورية من حيث لا يشعر.

 وأشد ما رأيت شخصيا من دكتاتورية الإدارة حين زرت ذات يوم إحدى الإدارت المتواضعة فلما قابلت مديرها وعرضت عليه حاجتي فوعدني بتلبيتها بعد انتظار عدة دقائق، فلما انقضت تلك الدقائق عدت إليه فألفيته يلملم أوراق استعدادا للخروج، فسألته بتواضع  : ما إذا كان سيعود أم أن الوقت انتهى؟، فما كان منه إلا أن استشاظ غضبا لهذا السؤال البسيط وأردف قائلا: "هذه هي مشكلة المواطنين" وكأن سؤال المواطن وإلحاحه في حاجته جريمة تعرض صاحبها للعقوبة معنويا.

 وإزاء هذه "الدكتاتورية الإدارية" يسرني أن أقدم إلى إخوتي في الإدارة  نصيحة مفادها : أن يتقوا الله في أنفسهم وفي رعاياهم الذين استرعاهم فيهم فلا تغرنهم سلطة عابرة، وأن يعلموا أن أول ما يوضع في الميزان حسن الخلق وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال"لاتحقرن من المعروف شيئا ولو ان تلقى أخاك بوجه طليق"كما أزف إليهم هذه المراسلة علهم يستفيدون منها وهي كالتالي: أرسل الجراح بن عبد الله والي خرسان إلى عمر بن عبد العزيز يقول"إن أهل خرسان قد ساءت رعيتهم وأنه لا يصلحهم إلا السوط والسيف فاذن لي بهما". فرد عليه عمر يقول" أما وإنك قلت إن أهل خرسان قد ساءت رعيتهم وأنه لا يصلحهم إلا السوط والسيف فقد كذبت بل يصلحهم العدل والحق والشفقه فابسطهم فيهم والسلام"، كما أقول لكل الإداريين أننا في زمن الديمقراطيات وإحترام حقوق الإنسان لا في زمن العبودية والدكتاتوريات وانتهاك حقوق الإنسان من خلال المعاملة التي لا تليق في الإدارة.

25. أكتوبر 2018 - 17:37

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا