أثبتت نتائج الانتخابات الثلاثيّة الأخيرة، بأنّ قيادات الأحزاب ذات الأغلبيّة غير العربيّة في موريتانيا، أي تلك التي يتزعّمها سود – كي لا أقول زنوج – أنّها لا تفهم في السّياسة ولا تمتلك برامج انتخابيّة ولا خطط سياسيّة ذات أهداف تنمويّة واضحة، ولا رؤى استراتيجيّة تمكّنها من تحقيق أهدافها وإنّما تتخبّط فحسب، وإلاّ كيف يُفسّر أو يُبرّر غيابهم كلّهم تقريبا عن البرلمان والمجالس الجهويّة، إن لم يكونوا كذلك؟ كي يكون كلامي أكثر وضوحا، أتحدّث هنا عن إبراهيما مختار صار، كان حاميدو بابا، با ممادو ألاسان و با ألاسان حمادي الملقّب بلاس، وغيرهم.
كان بإمكانهم تكوين تحالف قوي فيما بينهم، ويترشّحون في لوائح مشتركة، أو يتحالفون مع غيرهم من الأحزاب الحيّة التي تمتلك رؤية سياسيّة واضحة، وتمتلك كذلك قواعد شعبيّة عريضة، سواء أ كانت تلك الأحزاب من الموالاة أم من المعارضة، انطلاقا من أوّل مبدإ في السّياسة، ألا وهو المصلحة (الخاصّة أو العامّة)، التي تتمثّل في تحقيق هدف سياسي معيّن وهو الحصول على مقاعد في البرلمان، أو دخول مجلس جهوي أو بلدي، ولكنّهم لم يفعلوا ذلك بسبب عجزهم وتعنّتهم وجمودهم الفكري والسّياسي، وقصر نظرهم، إضافة إلى ذلك أنّ قواعدهم الشّعبيّة المفترضة سئمت من خطابهم السّياسي غير الواقعي، الذي لا يصلح لهذه المرحلة من الزّمن التي يعيشها البلاد، وشعاراتهم الجوفاء، ممّا جعلها تنجرف مع سيول الحراك السّياسي المستمرّ، كلّ يختار طريقه الخاصّ والمفضّل، ويتّجه نحو الأحزاب الأكثر دينامية، أو يعزف عن المشاركة في السّياسة ويبقى في بيته، وهذا ما حدث فعلا، حيث من الملاحظ أنّ فئات معيّنة مِن مَن وصلوا السّنّ القانونيّ لدى بعض الشّرائح لم يشاركوا في العمليّة السّياسيّة، أو شاركوا فيها باستحياء شديد، تنيجة لعدم اقتناعهم فيما تقوله تلك القيادات التي تزعُم أنّها تناضل ضدّ التّمييز المجتمعي الحاصل في البلد، وغياب العدالة الاجتماعيّة، وعدم المساواة في الفرص بين الشّرائح في تقلّد المناصب في الدّولة، ولكنّها هي الأخرى تمارس ذلك التّمييز والتّغييب داخل أحزابهم، حيث تتربّع شخصيّات بعينها على قيادة تلك الأحزاب منذ تأسيسها إلى وقتنا الحاضر دون تغيير أو تجديد، ممّا جعل تلك الأحزاب مع الزّمن، تتّخذ طابعا عائليّة بما أدّى إلى الانشقاقات في صفوفها، وخاصّة بين الفئات الشّابّة، وتتّجه إمّا إلى تكوين الحركات الاحتجاجيّة ذات طابع حقوقي التي لا تستمرّ طويلا هي الأخرى، أو يؤسّسون أحزابا أخرى هي عبارة عن نسخة طبق الأصل للأحزاب التي انشقّوا منها، من ناحية عدم امتلاك البرنامج الهادف الواضح، أو قلّة المنتمين إليها و إقصاء الآخر، إلى أخذ الطّابع العائلي وغير ذلك من الأمور التي تتميّز بها تلك الأحزاب.
بعد هذه التجربة الفاشلة والمريرة؛ يبقى السّؤال هل سيعون الدّرس جيّدا، ويغيّرون منهجهم المتّبع الذي أثبت فشله، ويدخلون في تحالفات مع الأحزاب التي يرون أنّ رؤاهم متقاربة، هذا في حال امتلاكهم الرّؤية أصلا، أو ينضمّون مع بعضهم في تحالف واحد؟ كِلا الخيارين وارد، ولكن أعتقد أنّ انضمامهم إلى الأحزاب الأخرى أقرب، لأنّ كلاّ منهم لايستطيع أن يتصوّر نفسه تابعا للآخر، لأسباب عدّة، اجتماعيّة وثقافيّة وتاريخيّة، هي التي أدّت إلى صعوبة تعاملهم مع بعضهم البعض في حزب أو تحالف واحد، ممّا زادهم ضَعفا فوق ضَعف. وبالتّالي انضمامهم إلى الأحزاب المختلطة التي يقودها قيادات من شرائح المجتمع الموريتاني الأخرى هو المتوقّع، وإلاّ سيتجمّدون في وضعيّتهم الحالية التي لا يحسدون عليها، حتى يُحلّوا بقوّة القانون، ويصبحوا من الماضي.