الأفضل لقاطني هذا المنكب أن يأووا إلى جحورهم وأن يلازموا نقاط الوطن دون أن يغادروا إلى أي مكان خارجه حتى لا تتكشف لهم الحالة التي وصلتها بعض دول الجوار في غفلة منا وكأن قدرنا أن نبقى كما كنا.
ليست هذه السانحة امتداحا ولا قدحا وإنما الواقع هو الذي يضطر المرء لهجاء وضعية لم يسعفها توالي العقود لتتغير فلا نحن بقينا بداة نتتبع الماء والمرعى ولا نحن حللنا مدنا تتوفر جميع أحيائها على الخدمات الضرورية في القرن الحادي والعشرين.
أملنا ونحن نكتوي بنار مستوى التأخر الحاصل في الخدمات أن التطور يمضي ببطء وقد يمتد إن سنحت الفرصة ليعم مزيدا من الأحياء خارج مقاطعة تفرغ زينه المحظوظة.
ورغم هذه النظرة التشاؤمية إلا أن مقارنة بسيطة بين تؤكد تباين حالتنا مع حالات جيراننا فنحن لم نعرف الدولة المركزية إلا نهاية القرن الماضي، واستنزفتنا حرب الصحراء عندما كانت الدولة في طور التشكل والنماء، وبعد ذلك عشنا تناقضاتنا وتغيرت المعطيات الاجتماعية وانهارت القيم واستفحلت ثقافة الفساد وازدراء الأملاك العامة بل وإخضاعها لخدمة الزبونية والقبلية وغيرها من الأدواء التي أنشبت أظفارها في جسم لم يستكمل نموه ونرجو ألا نكون عدنا القهقرى في المجالات التنموية والمدنية.
إلا أن الغربة هي التي تضعك رغما عنك في حالة من التساؤل والاستغراب لماذا نحن وحدنا نتجرع كأس الوحل ونرتهن لانعكاسات عدم عموم مستوى أقل من الخدمات في الأحياء الشعبية النائية.
وبعد النجوى السابقة وجلد الذات يحق لنا من جانب آخر أن نفخر بمعطيات مضيئة لن تنمحي آثارها بل ويود الآخرون لو كان لهم منها قدر دانق حرموه وتوفر في بلاد المنارة والرباط إلا أنه لم يدعم بوعي مدني يحميه ويصون بعده العمومي عن احتياجات الأفراد واستغلال الجماعات القبلية والسياسية لمحلوب بقرة ظل الكل يستنزفه دون رعاية لحقوق الأجيال في غياب كامل لأي رادع يرد هذا النهم الذي يختصر المساحة العامة ويقضي على رعاية الدولة والمجتمع لمشتركات كان عليه أن يتبناها، وبدل ذلك أصبح حاميها حراميها بكل أسف.
وفي حالة كحالتنا نعرف أن أغلب أطرنا والقادة الذين يمسكون بزمام الأمور ومعارضيهم قد عاشوا الغربة وعاينوا ما هو كائن في بلدان العالم الثالث التي نصنف ضمنها، ونرجو أن تتعرف الأجيال اللاحقة على بلد قد غسل عنه أدران الفساد والمحسوبية وارتدى ثوب المدنية وسادت فيه قيم حماية المشترك وتقديس الأماكن العمومية.