حظيت الطاقات المتجددة والمزج الطاقوي، في الآونة الأخيرة، بنصيب وافر في مجمل الاستراتيجيات التنموية، للدول والهيئات والمنظمات العالمية، بوصفها أول دعائم التنمية المستدامة، ووسيلة فعالة للحفاظ على البيئة، وتوفير مصادر متجددة غير مكلفة للطاقة، تواكب التوسع الصناعي، والنمو الديموغرافي. فكانت لذلك نقطة وصل بين الأولويات والأهداف الأساسية، للسياسات البيئية والاقتصادية والطاقوية، والقومية، والأمنية...
وحسب التقارير السنوية للوكالة الدولية للطاقات المتجددة، فإن إجمالي إنتاج القارة الأفريقية من الطاقات المتجددة عام 2008 كان قرابة 23 ألف ميكاوات، موزعة بين دول قليلة من القارة، قبل أن يتضاعف هذا الإنتاج بداية العام 2018 ليصل قرابة 43 ألف ميكاوات، رغم ما ميز هذه العشرية، من غياب الإستراتيجية المشتركة، والثقة المتبادلة بين الأطراف الأفريقية، لتأسيس مسار موحد نحو التحول والاعتماد على مصادر الطاقات المتجددة وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع.
منذ بداية العام 2016 اعتمد الاتحاد الإفريقي مبادرة لتنمية الطاقات المتجددة في القارة، برعاية مؤتمر المناخ 21 في باريس ودعم مجموعات السبع والعشرين للدول الاقتصادية، والبنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية، تهدف هذه المبادرة إلى تثبيت 10 جيكوات من الطاقات المتجددة في أفق 2020 و 300 جيكوات في أفق 2030، للوصول إلى نسبة 100% لتغطية خدمات الكهرباء في الأوساط الحضرية، و95% في الأوساط الريفية، مع الاعتماد بنسبة كبيرة تتجاوز 50% على مصادر الطاقات المتجددة، بحلول عام 2050.
في السياق الموريتاني بدأ استخدام الطاقات المتجددة بالطاقة الكهرومائية عام 2002 باستغلال 30 مكوات، الحصة الرسمية من سد ماننتالي، التابع لمنظمة استثمار نهر السنغال، وارتفعت هذه الكمية لاحقا بعد تدشين محطة فيلو لتصل 48 ميكوات، ومن المنتظر أن تتضاعف بعد انتهاء الأشغال في السدود التي تعكف المنظمة على تشييدها، كما أن استغلال هذا المورد الطاقوي ستتحسن بعد انتهاء خطوط الجهد العالي، والمتوسط، لنقل الكهرباء إلى نواكشوط والمناطق المحاذية للضفة.
وكان عام 2012 بداية فعلية لوضع سياسة جادة لمواكبة وتيرة التحول الطاقوي في العالم، استعانت الإرادة السياسية في هذا المجال بخبرات الوكالة الدولة للطاقات المتجددة، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، لرسم استيرايجية وطنية لتطوير المزج الطاقوي، استهدفت استغلال المصادر الغزيرة لموريتانيا من الطاقة الشمسية والهوائية، وتعزز هذا التوجه مع وضع وتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للنمو المتسارع والرفاه المشترك 2015-2030.
وكانت أولى ثمار هذه الإستراتيجية، محطة الشيخ زايد (15 MW) التي تم تدشينها منتصف العام 2013، وتهجين 8 محطات حرارية في مقاطعات داخلية، بالتعاون مع "مصدر الإماراتية" فضلا عن تزويد بعض البلديات والقرى بشبكات مستقلة للطاقة الشمسية، بالإضافة إلى محطتين في نواذيبو وازويرات، بقوة 7.4 ميكوات. وتميزت نهاية العام 2017 بتدشين محطة توجنين للطاقة الشمسية بطاقة إنتاجية تصل (50MW) وهي أكبر محطة للطاقة الشمسية في غرب إفريقيا حتى الآن.
وشملت هذه التجربة أيضا إنتاج الطاقة الهوائية، مع محطة نواكشوط، التي دخلت حيز الاستغلال نهاية عام 2015، بقوة 30 MW ، وانطلقت بعد ذلك بقليل أشغال محطة أخرى في بولنوار بقوة 100 MW ، بالإضافة إلى 4 محطات أخرى صغيرة على الشاطئ.
إذا نظرنا إلى هذا التجربة من زاوية المقارنة بالمحيط الأفريقي، سنجد عدة مؤشرات إيجابية، تبشر بمستقبل هذا المسار، في بيئة تسجل أرقاما قياسية لمصادر الطاقة الهوائية والشمسية. ومن أهم هذه المؤشرات، احتلال موريتانيا للمرتبة الأولى أفريقيا، في تثبيت وسائل إنتاج الطاقة المتجددة، بنسبة بلغت 13%، وذلك بعد مضاعفتها عدة مرات لإنتاج الطاقة النظيفة خلال هذه الفترة، ووفقا لتقرير الوكالة الدولية للطاقات المتجددة لعام 2017 فقد جاءت موريتانيا في المرتبة الخامسة أفريقيا، في إنتاج الطاقة الشمسية، والسادسة في إنتاج الطاقة الهوائية، وحسب نفس التقرير فإن إجمالي إنتاج الطاقات المتجددة في موريتانيا بلغ حوالي 167 ميكاوات، مع نهاية عام 2017، وسيصل قرابة 400 نهاية 2019 بعد تدشين محطتي بولنوار الهوائية، و "اكوينا" الكهرومائية، بحسب الوثائق الرسمية.
وتترأس موريتانيا حاليا اللجنة الأفريقية للطاقة، التي تعمل في أهم أجندتها على تنمية الطاقات المتجددة في القارة، وهي فرصة للاستفادة من تجارب دول أفريقية، حازت قصب السبق في هذا المجال، ولها مسار طويل في تنميته وتطويره، كجنوب أفريقيا وكينيا وإثيوبيا والجزائر...
لكن وتيرة نمو هذا القطاع تتعلق – ربما – بانتهاء خطوط الجهد العالي، التي ستربط شرائك الصناعات الاستخراجية، بالشبكة الكهربائية، وتوفر الربط بالدول المجاورة، لتنشيط عمليات الاستهلاك، في المجال الصناعي في الداخل، وتسويق الفائض عبر سوق الكهرباء الحرة في المنطقة، وهو ما يدفع إلى مزيد من الاعتماد على مصادر الطاقات المتجددة، بحكم العوامل الاستثمارية، والأبعاد البيئية، في ظل التغيير المناخي الذي يهدد العالم بأسره.