لا أريد من خلال هذه الكلمات أن أسوق دروسا في السياسة ولا في فنون ترويض "الفحول" ولا توجيه الغافلين ولا تقويم المعوجين التائهين في عوالم المنافع المتعودين على سلق الأنظمة بألسنهم مقابل ما يدفع لهم سرا أو علنا، سواء استطاعوا تأدية دورهم أم كانوا من العاجزين من شخوص مسرحية "بلتيك"!،لا أريد أن أتجاوز إكراهات "التاريخ" و"الجغرافيا" و"التربية " المدنية لأن تلك المفعولات أقوى ولأن المتطلبات التي مرد عليها البعض أشد وطأة وأقوم قيلا!!،
ولأنني أبعد الناس عن مظنة إعطاء الدروس وآخر من يُسأل في هذا المضمار، ونتيجة للتداخل بين الدوال والمدلولات عند الكثيرين بسبب تراكم المسلكيات وتفاعل المشتغلين بالحقل مع أنظمة وتنظيمات شتى في مجتمع حديث العهد بتقديم الكاذب على الصادق والضار على النافع والمفسد على المصلح و...، ونتيجة للخلط التلقائي أو المقصود بين من يناضلون من أجل رفاه أوطانهم وقوتها وهيبتها ومنعتها، وبين أولك الذين تكونوا على بث الفرقة في "أوطانهم" من أجل أغراض تخصهم أو تخص الدواليب التي صنعت عقولهم وأفكارهم!!.
سأكتفي بالإشارة إلى ما يندى له الجبين من انزلاقات ممتهني التسيس وسماسرة الخطابات والولاءات هذه الفترة، حيث التمادي في الإضرار بمصالح الأمة تحت مبررات أكثرها وجاهة عدم تمكنهم من إقناع الناخب الموريتاني، ومنطق "إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر" منطق "إضعاف" الخصم بأي ثمن!!، والأدهى من ذلك أن يكون هؤلاء النفر لا يراعون في ردات فعلهم تلك الفروق الغائرة بين السعي في الحصول على الامتيازات الشخصية والإضرار بالوطن وبمصالح العباد، الذي لا شك أن صاحبه يَصلى ذنوبا أخفها الإفساد في الأرض الذي أكد شرعنا أنه في خانة الحرابة وأخواتها.
ففي هذه الأيام يحرض بعضهم شرائح معينة على أخرى ويتواطأ بعضهم مع منظمات معروفة المصادر والأدوار من أجل إضعاف موارد الأمة، في وقت نتجه فيه إلى طريق الاعتماد المطلق على ذواتنا ومقدراتنا، دون مسوغ يذكر إلا ما حصل من عزوف الناس عنهم في الاستحقاق الأخيرة التي أبانت عن فروق جوهرية بين الخطابات، حيث لم يعد يُمايَز بين السياسيين بمستوى درجة صياحهم، وإنما بمستوى تناغمهم وتفاعل أطروحاتهم مع مشاكل الجماهير اليومية ومتطلباتهم الدنيوية، بعيدا عن الديماغوجيات التقليدية ولغة إثارة العواطف التي لا تبتعد عن الأحاجي وسرديات التخريف والتخويف الغابرة التي أطرتها زمانا أجندات فكرية عابرة للقارات.
صحيح هم يمارسون السياسة، ولكن بأخلاق المستأسد على عقول الشعب، الطامح إلى زعامته بشروط الذلة والمسكتة، يفرحون وينتشون عندما يجوع أو تنوبه نائبة ولكن عندما ينتصر الشعب لنفسه ولمصالحه الحقيقية يغضبون، ديدنهم الذي يتغذون عليه هو الولغ في مَواطِن الهشاشة ونقاط الاختلاف ومخلفات الماضي و...، لا يخفون غبطتهم من قطع التمويلات عن الاقتصاد الوطني ومضايقة مصالح الأمة ، ومع ذلك هم "شرفاء" يستحقون نصيبا موفورا من الثروة الوطنية!!، إنهم سياسيون فعلا ولكنهم لا يحبون أوطانهم.