انقلاب وشيك فى جورجيا / أحمدو ولد الوديعة

altلعله الانشغال بنتائج الا نتخابات الأمريكية المبهرة هو الذى شغل وسائل الإعلام العالمية عن نقل التطورات المتسارعة فى جورجيا المفضية لامحالة لانقلاب عسكري وشيك فى هذه الجمهورية السوفيوتية السابقة التى قدمت خلال السنوات الأخيرة نموذجا رائعا فى الانتقال الديمقراطي المفروض بقوة الثورة البرتقالية.

انقلاب جورجيا القادم نتيجة طبيعية للتصرفات غير المسؤلة للرئيس الجورجي الذى عرض أمن بلده واستقراره لخطر الحرب الأهلية حين أقدم فى خطوة غير مسؤلة على إقالة قائد الجيش الذى يمثل الضمانة الأساسية للاستقرار والديمقراطية فى آن، وهو بذلك يستحق مكانا غير القصر الرئاسي الذى اختاره له الشعب الجورجي بل سجنا " مريحا" فى إحدى ضواحي تبليسي ريثما تتهيأ الظروف لتنظيم أيام تشاورية تعقبها مرحلة انتقالية فانتخابات فى الوقت المناسب يختار فيها الشعب رئيسا جديدا يكون أكثر مسؤلية وأكثر تقديرا للدور الذى تلعبه المؤسسة الحامية والحاضنة لكل المؤسسات.
لاتهم الاحتجاجات التى ستأتي من القوى الديمقراطية فى جورجيا فليست هي من جاء بالديمقراطية فلولا أن الجيش لم يقمع الثورة البرتقالية لما كانت هناك ديمقراطية ولما استطاعت إرادة الشعب أن تنفذ إلى أماكن صنع القرار، وبالتالى فلاعبرة بتلك الإحتجاجات فقادة البلاد الجدد سيبعثون إلى الداخل من يقول للشعب إن هؤلاء مجموعة من المتباكين على العهد البائد، وقيادة الثورة قادرة على سجنهم ومحاكتهم وحتى تعذيبهم وشنقهم إن اقتضت الضرورة فلاصوت يعلوا فوق صوت المعركة، والديمقراطية ليست مهمة أصلا إلا فى جانب واحد منها هو " ديمقراطية المعاش" ولن يسمح للخونة أن يعطلوا إرادة الشعب المتجسدة فى قائد الجيش الجنرال الفذ الذى أطاح به الرئيس فى قرار اتخذ بليل وبتدبير من بعض القوى الرجعية التى استطاعت من خلال عملها فى الخفاء أن تفرق بين الرئيس وأغلبيته الطبيعية والقدرية المرتبطة معه بزواج كاتوليكي كان الجنرال نفسه هو من أشرف على مراسيم عقده فى غمرة الثورة الديمقراطية الرائعة التى أراد الرئيس وزمرته الرجعية أن يعطلوها، ويخضعوها لحسابات ضيقة. 
يزعم الرئيس المخلوع وحاشيته العميلة للأجنبي أن قائد الجيش لم يقم بمسؤلياته فى الدفاع عن البلاد خلال العدوان الروسي الأخير، وأنه انشغل بالسياسة عن مهامه الدستورية فاستحق بذلك قرار العزل، وهي حجة واهية فالقائد المفدى تابع العدوان عن كثب من خلال مكتبه فى مباني الحرس الرئاسي، والتقى عشرات النواب والصحفيين والوجهاء ورؤساء الأحزاب الديمقراطية والثورية، وشرح لهم فى نظرية عميقة الدلالة كيف أن الطريق إلى حماية البلاد من العدوان يمر حتما عبر حماية الأغلبية الرئاسية التى أوصلت الرئيس إلى السلطة ثم اختار عنها قوى سياسية أخرى، إنه ما لم نستطع أن نحمي أغلبيتنا الرئاسية فلن نستطيع أن نحمي مدننا الرئيسية، لذا فلايمكن اعتبار اعطاء الأولوية لحماية جبهة الأغلبية الداخلية من فلول الشيوعيين والرجعيين والتحرريين والديمقراطيين خيانة تستوجب الإقالة فخطر هذه القوى الظلامية على النظام السياسي، وما سببته من انسداد سياسي وتعطيل للمؤسسات يجعلها أخطر من العدوان الخارجي ومن الهجمات الإرهابية ومن تحديات التنمية ومن كل شيئ آخر يقول الرئيس الجنرال مخاطبا انصار القوى الثورية الرافضين لاضعاف المؤسسة العسكرية بمختلف فروعها بما فيها تلك المرابطة فى البرلمان وفى مباني الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني.
أما المواقف الخارجية فلاتهم ما دام أن الأمور فى الداخل " تحت السيطرة" فالدول والمنظمات الدولية ستعبر عن مواقف مبدئية من الإنقلاب لكنها ستتفهمه فى النهاية حين تحصل على المعلومات الكافية عن ما يجري فى البلاد، وفى كل الأحوال فلاعبرة بمواقف القوى الخارجية فهي لاتستطيع أن تفعل كبير شيئ والثورة قادرة أن تحدث الاختراقات الضرورية فى المواقف الدولية فهي تمتلك الإرادة والوسائل الضرورية لذلك ، ويكفى الثورة شرعية أنها ستحوز بمجرد صدور بيانها الأول على مباركة "زعيم المعارضة"، وقائد" فرسان التغيير"، إضافة بطبيعة الحال إلى مواقف الكردينالات الذين سيطلقون العنان للبخور الأبيض أن ينطلق إلى السماء مؤذنا ببداية" العهد الجديد للقائد الجديد".
لامشكلة إذا تمنع توجه قائد الجيش الجورجي من تنفيذ حركته التصحية فى الساعات الأولى من صباح السادس من نفمبر، وإذا لم يفعل ذلك فقد يكون على قادة " مجلسنا العسكري أن يشدو الرحال إلى تيبليسي لتصحيح وضع مؤسسة الرئاسة هناك، وإلا يكون كل الرصيد السياسي الذى بنوه بعناء خلال ثلاثة أشهر معرضا للنسف، إنها مهمة جليلة تستحق دورة طارئة للمجلس الأعلى ومؤسسة زعيم المعارضة وإلا فنهج " التصحيح" فى خطر وقوى الظلام توشك أن تغير خريطة الأغلبية الرئاسية المصانة يا للكارثة.

5. نوفمبر 2008 - 18:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا