هل رأيتم أوضح من الصورة البديعة التي رسمتها الدورة الطارئة للبرلمان العسكري المنعقدة حاليا ،هل ما زال هناك من يجد صعوبة في رؤية حقيقة موريتانيا الجديدة التي يبشر بها " رسل التصحيح" المنطلقون هذه الأيام كما ينطلق مردة الشياطن مع نهاية شهر الصيام، إنها لصورة رائعة فعلا لديمقراطيتنا الوليدة..
فالمؤسسة الديمقراطية العتيدة تجتمع اليوم بناء على دعوة من جنرال مقال، ويرأس فعالياتها عقيد متهم بالتورط في جرائم ضد الإنسانية، هو بالفعل نموذج ديمقراطي فذ سيدرس في أكاديميات العلوم السياسية هذا الذي تفتقت عنه عبقرية عسكريي الألفية الثالثة في بلاد العجائب والغرائب بلاد المنكب البرزخي.
إنها الديكتاتورية المباشرة - التي ربما تمثل نسخة معدلة من الديمقراطية المباشرة- هذه التي يبدو أن الجنرال في طريقه لتجريبها في موريتانيا ،وهي نظرية ستجد دون شك من ينظر لها ويجد لها تأصيلا في الفكر الاتيني والماوردي، والفينقي حتى، وسيجد كل فصل من فصولها من ينبري لتأصيله فالانقلاب على الرئيس أمر عادي في التاريخ الإسلامي بحسب أحد الفقهاء " الحمدويين" والديمقراطية ليست مهمة وربما ليست هي الأنسب بحسب احد فقهاء القانون الدستوري، وإقالة بعض قادة الجيش قرار غير وطني بحسب الجنرال نفسه، ورفض جلسة طارئ للبرلمان مسوغ كاف للانقلاب على الديمقراطية بحسب زعماء المعارضة الديمقراطية.
بحسب نظرية الدكتاتورية المباشرة فحين يمتنع رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير عن التورط في الانقلاب وينحاز لوطنيته ومبدئيته معلنا موقفا شجاعا وشريفا يرفض التعاطي مع الانقلابيين، يدعى للدورة البرلمانية دون علمه، ويعهد بترأس الجمعية الوطنية لعقيد ذي صلة وطيدة بالديكتاتورية فهو وحده القادر على توصيل ما يطلبه الجنرال للكتيبة البرلمانية ، والحال نفسه ينطبق على رئيس مجلس الشيوخ الذي لم يشفع له تردده وامتناعه حتى الآن عن إدانة الانقلاب بصفة علنية فقيادة أركان الشيوخ لايمكن أن يديرها إلا أقرب المقربين، ففي دين الديكتاتورية المباشرة لا مكان لأنصاف المصفقين ولا حتى لأرباع الراقصين فالنص صريح أن ما علمت لكم من إله غيري، ومن ليس معنا فهو مع الإرهاب.
وبحسب نفس النظرية دائما فليس ثمة ما يدعو للاستعجال في تنظيم الانتخابات فالبلد كما طالب حزب البديل في بيان لم يحظ بما يستحق من اهتمام يحتاج فترة ستة أشهر على الأقل من أجل أن تعود للدولة هيبتها ويومها ويومها فقط يمكن أن يفتح باب النقاش حول الفترة الزمنية التي تسبق الانتخابات، والمهم حسب نفس البيان أن تكون هناك انتخابات رئاسية في النصف الأول من عام 2012، ولا معنى لاشتراط عدم ترشح العسكر لتلك الانتخابات فهم في نهاية المطاف مواطنون موريتانيون لايمكن لأي أحد أن يسلبهم حقوقهم الدستورية يتشدق أحد مبشري التصحيح.
العزلة والحصار لايعنيان أي شيء بالنسبة لحكام الديكتاتورية المباشرة فالأمور كلها بخير ونحن لسنا أصلا بحاجة لمساعدة أحد ويمكننا أن نعيش ألف سنة على ما تتيحه لنا أرضنا المعطاء يقول أحد " المناضلين الجدد"، وحين يشتد الأمر فالقوم جاهزون لإعلان إيمانهم ووطنيتهم ولن يصيغوا سمعا يومها لمن يذكرهم بالرد الرباني على سلفهم القديم حين قال آمنت " الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين".
مؤسف أمر هذه البلاد التي انتهى أمرها لحكم ديكتاتوري متخلف بعد أن كانت تقطع أشواطا على طريق الفكاك من وصمة الديكتاتورية العربية المتخلفة، إنها مأساة فعلية هذه التي تتهاوي إليها موريتانيا تحت حكم الجنرال
مأستنا المجنحة*** تحوم فوق الأضرحة
تأتى لنا فى صور** محزنة ومفرحة
مأساتنا تحرسها*** قواتنا المسلحة