رحم الله المثقف الموريتاني! / المرابط ولد محمد لخديم

  كنت قد كتبت مقالات وبحوثا عن دور المثقف في المجتمع مثل: ثقافة التحصيل بين الشناقطة الأوائل والشناقطة الجدد. والباحث الموريتاني بين التهميش في الداخل والانجازات المعتبرة في الخارج؟ وهل ساهم المثقف الموريتاني في االقضاء عليه؟ الرابط:

http://www.mushahed.net/vb/showthread.php?t=26553

 ومأساة المؤلفين والمبدعين في موريتانيا!!

http://zouerate.info/node/434

   حاولت أن أصل من خلالها إلى تصورا جديدا عن واقع الثقافة والمثقف في بلدي.مبرزا الأسباب التي أوصلته لهذه الحالة المزرية ومتسائلا في الوقت نفسه عن دوره في قراءة واقع مجتمعه ؟!
  فالمثقف الذي جمع من المعلومات قسطاً كبيراً ، ينبغي ألاَّ يقتصر على الجمع والاستقصاء والارتشاف والاستقاء.. للمعلومات فحسب ، بل يطمح بأن يكون له دور ريادي في إصلاح الواقع الذي يعايشه!
وإن تاريخ البشر يقول إن عهود الأزمات الاقتصادية والاجتماعية هي عهود المعالجات العملية لتلك الأزمات نفسها، إذ تنهض لها العقول المفكرة، محللة، معللة، وهكذا كلما عصف التاريخ بالأحداث الشديدة والاضطرابات المدوية قذف التفكير الاجتماعي الواعي بالآثار الفكرية الضخمة.

  ومجتمعنا اليوم بأمس الحاجة إلى هذه العقول لتشخيص المجتمع الذي وجدنا أنفسنا فيه، وكما يقال إذا تزاحمت العقول خرج الصواب..وفي هذا المجال لابد أن نرجع في عجالة الى الفئة المثقفة في مجتمعنا؛

  وهنا أرى لزاما علينا أن نعرض للنخبة المفكرة في هذا البلد والتي نلاحظ أن شريحة واسعة منهم ارتبطت بالمناهج التعليمية والمقررات الدراسية ومختصراتها وقتلت لديهم روح البحث وحرمتهم من المطالعة خارج المنهاج وكرهت إليهم القراءة والكتابة، حيث حصرت الهدف منهما بالامتحان والشهادة تنتهي الحاجة إليهما ونبدأ القطيعة معهما بالنجاح في الامتحان وتحصيل الشهادة!
  وأخرى اقتنصتها وسائل الأعلام والمعلومات السريعة، بما تملكه من جاذبية وسائطها المتعددة في الصوت والصورة والحركة، فآثروها على تحصيل العلوم والمعارف، وسلموا أخيلتهم وأوقاتهم لها، وفضلوا التحول إلى متلق يستمع ويشاهد مسترخيا على أريكته، يتجرع ويحتسى كؤوس الشاي المنعنع مع ما يقدم له من دون كبير تدخل أو اختيار...
  آثروا ذلك على معاناة القراءة الجادة وما تتطلبه من تركيز ووعي، فتسطحت الثقافة ونتج عن ذلك داء الأمية الثقافية التي أضرت بحركة النقد، وحدت من تداول الأفكار وأدت إلى ركودها، فضمر الإبداع وتحجرت العقول، وغاصت الثقافة في المياه الآسنة، أما الفئة الباقية فهم مجموعات تحكم فيها الفكر الجمعي للمجتمع الذي لا يسمح عادة بالخروج عليه لأن ذلك يعتبر إيذانا بتخريب روحه الجماعية التي هي المصدر لتلاحمه الهش، فسيطر على هؤلاء الانشغال ببيان الانجازات التي حققها عظماؤها بدل البحث عن وسائل تمكن من تطوير ما قدم الأجداد..

  إن كثيرا من الأخطاء والخطايا التي نقع فيها، ليس مصدرها الجهل، وإنما مصدرها الهوى والرغبة في تحقيق المصالح الخاصة، مما يعنى أن تكرارها هو المتوقع، نظر لديمومة أسبابها. والذي يساعد على التخفيف من تكرارها، هو الاستمرار في نقدها بشتى الوسائل وشتى الطرق، فالأخطاء. لا تتبدى دائما للعيان، ولا تتلبس بلبوس واحد، مما يعنى ضرورة الاستمرار في كشفها ومواجهتها..

 وبما أن جائزة شنقيط والمتحصلين عليها يمثلون أكبر كم من هذه النخبة فقد كتبت عنها عدة مقالات مثل: جائزة شنقيط بين الموت السريري في الداخل والانجازات المعتبرة في الخارج.. ودعوة الحاصلين على جائزة شنقيط لأداء الواجب الوطني  والمقال الأخير الذي نشر منذ أسبوعا والموسوم ب: هل تحولت جائزة شنقيط من جائزة دولة الى جائزة محلية..الرابط:

http://www.aqlame.com/article39205.html

لاستنهاض الهمم والهبة من جديد بعد الكبوة ولكن لاحياة لمن تناديll

ففي الوقت الذي  وردت الي ايميلات واقتراحات من الخارج كان آخرها هذا الايميل الذي يقول صاحبه:

 

الأستاذ المرابط ولد محمد لخديم المحترم                                                                 

مساكم الله بالبركات:

لقد قرأت مقالكم حول جائزة شنقيط وحزنت كثيرا على حالها ، إذ إني كنت من المشاركين في دورتها الأولى وعلى الرغم من عدم فوزي بها لكني بقيت اعتز بها لأنها من بلد نجهل الكثير عنه..

يا ليت ترتفع أصوات المثقفين الموريتانيين ليكون لهم حضور بالمشهد الثقافي العربي كما كان سابقا عبر الجوائز او المشاركات الفعالة..

تحياتي لكم

أخوكم أ.د. مشتاق عباس معن 

جامعة بغداد_ العراق.

    لم اتلق أي رد من الداخل ولا من أصحاب الجائزة مما كون لدي قناعة بأنه لم يعد بيننا من يهتم بالثقافة والعلم وأن صورة ذالك الشنقيطي المعتز بنفسه الغيور على المثل والوطن المستميت دون مبادئه النبيلة والذي بني حضارة الدين والدنيا على ظهور أحقاف متحركة وحصل العلم من شتى أصقاع الدنيا لم تعد موجودة إلا في مخيلتنا..؟! واستحضرت قصة وقعت منذ مدة قد تشخص لنا الواقع المترهل الذي نعيشه!

تحكي القصة أن أحد الموريتانيين الشناقطة فاز بصفقة كتاب: الشامل من المعهد التربوي الموريتاني وذهب الرجل الى مصر لينشر الكتاب وأثناء تواجده بالقاهرة سمعت به مكتبة ودار الخانجي العريقة وعرضت عليه زيارتها كأحد الشناقطة المهتمين بالعلم.. رتبت الدار جيدا للزيارة وأخذت الرجل الى بيت كانت قد خصصته لمحمد لمين الشنقيطي صاحب الوسيط حيث وفرت له السكن آنذاك والورق وكان الرجل يكتب ويؤلف كأحد علماء الشناقطة خدمة للإسلام...

كان صاحبنا يتجول في آثار وتحصيل هذا العالم الشنقيطي الفذ على حين كان تدور في خلده أمورا لا

علاقة لها بالعلم ستتكشف تفاصيلها لاحقا..

  اتفق الطرفان على نشر الكتاب ولما حان وقت السداد لم يف صاحبنا بالمبالغ كاملة الأمر الذي استدعى من الرئيس المدير العام للمكتبة بأن يحزم حقائبه ويتوجه الى موريتانيا التي كان يعتبرها شنقيط..

   حدثت صولات وجولات اصبحت فيها القضية في المحاكم ..عندها لم يجد الناشر الشنقيطي الذي خدم داره ومكتبته سابقا؟ ..واصبح يستفسر عن الفرق بين الشنقيطي والموريتاني؟

  ولعل الشناقطة الأوائل قد تنبؤا بهذا الواقع المؤسف الذي نعيشه اليوم وذالك من خلال أشعاهم حيث يقول أحدهم:

وقفت على كتب رثيت لباسها ** فقلت ودمع العين مني هامع

مضى أهلها و استحرقت وتأيمت ** فليس لها باك ولا من يطالع

لحا الله وارث لمال وما له **     لدى القلم من إرث فبئس الطبائع

ويقول آخر:

إذا الفتى عن عرف وعن كتب ** وكان ذا ولد فاليحفظ الكتبا

إن ضاعت الكتب فالمعروف يتبعها ** وليس ذا ولد وليس ذاك أبا.

  وتأسيسا على ماسبق لم يبق أمامنا إلا استخراج شهادة وفاة لهذا المثقف الذي أصبح في عداد الأموات رحمة الله عليه!!

11. نوفمبر 2018 - 23:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا